Leading Story

الدكتاتورية في المستقبل

مثلما أظن ان البعض قد لايأخذ نظرية البيوسنترزيم للدكتور روبرت لانزا على محمل الجد، أتصور ان البعض لم يؤمن كثيراً بتنبؤات جورج أرويل للعالم حينما طرح روايته “١٩٨٤” في نهاية الاربعينيات. بل أتخيل ان بعضهم أتهمه حينها بالخيال المفرط في التشاؤم

قرأت رواية أرويل عدة مرات وفي كل مرة كنت اسأل نفسي السؤال ذاته: ماذا كان سيكتب جورج آرويل في الجزء الثاني من ١٩٨٤ لو أنه مازال على قيد الحياة وماذا سيكون عنوان روايته الجديدة؟

Share
Read Complete Story »
  • شرفة الهذيان

    عن الفراشة واللاطمأنينة وأشياء أخرى

    لرومنطيقيون، الحالمون ومن يعبرون عن احزانهم الداخلية ليسوا متشائمين ولا سوداويين كما يعتقد البعض ولكن ثمة ثلاثة أشياء يمكن أن تستعمر الروح بعد رحيل أو فقدان الاحباب، الحنين المفرط .. الندم واللاطمأنينة

  • قراءات

    تقاطعات فريدا

    “أنا أرسم لأني وحيدة في كثير من الأحيان، لأني أنا الموضوع الذي أعرفه أكثر من المواضيع كلها”

  • حروف بحرينية

    الوقت .. وداعاً

    هذا هو الوقت، لاوقت للوقت محمود درويش

عن الفراشة واللاطمأنينة وأشياء أخرى

Posted on October 30, 2020 by Suad


أنا لست متشائم، أنا حزين. فرناندو بيسوا

الرومنطيقيون، الحالمون ومن يعبرون عن احزانهم الداخلية ليسوا متشائمين ولا سوداويين كما يعتقد البعض ولكن ثمة ثلاثة أشياء يمكن أن تستعمر الروح بعد فقدان الاحباب، الحنين المفرط .. الندم واللاطمأنينة. ثلاثة أشياء يمكنها أن تقبع بهدوء مخادع في القلب لسنوات لتستثيرها بين الحين والآخر أغنية .. جملة في كتاب أو شخص عابر يذكرنا بالماضي مثل حجر يُلقى به في بحيرة ساكنة فيضطرب ماءها مخلفاً دوائر تمضي إلى التلاشي شيئاً فشيئاً حتى تعود إلى ما كانت عليه

تقول أليف شافاق ان البشر اما أن يكونوا أنهاراً أو بحيرات وأن الفرق بين الاثنين أنك “إذا ألقيت حجراً في النهر، فإن النهر سيعتبره مجرد حركة أخرى من الفوضى في مجراه الصاخب المضطرب، لا شئ غير عادي، لا شئ لا يمكن السيطرة عليه. أما إذا سقط الحجر في بحيرة، فلن تعود البحيرة ذاتها مرة أخرى”. وأنا لم أعد أميز إن كنت نهراً أو بحيرة ولكن ما أعرفه جيداً أنه لم يعد بإستطاعتي الإفلات من الاحجار

أعتدت لسنوات طويلة ان أترك مسافة بين ما أكتب وبين الخوض بشكل واضح وصريح في مشاعري وحياتي الشخصية. أعتدت أن لا أنشر ما أكتبه في وقت متأخر من الليل وأن أنتظر حتى الصباح حتى أستعيد السيطرة على قلمي ومشاعري فأنقح ما كتبت قبل نشره. أعتدت أن أضفي شيئاً من الغموض والتمويه وأن ألغي العبارات التي يكتنفها الضعف هو ضعف مشاعري غير المحصنة. أعتدت أن لا أعري ما بداخلي بشكل كامل وأن لا أظهر للآخرين ما لا أريد اظهاره لهم. كنت أشعر أنني أمسك بزمام الأمور أو هكذا كان يخيل إلي 

أستعدت هذا المقطع لبيسوا من يومياته اللاطمأنينة: “أسحب إلى هناك. إلى أن يحلّ الليل، حياة شبيهة بحياة تلك الشوارع، الممتلئة في النهار بضجيج لا يريد أن يقول شيئاً، والممتلئة في الليل بانعدام ضجيج لا يريد أن يقول أي شئ. أنا في النهار لا شئ وفي الليل أكون أنا. لكن ثمة شئ إضافي .. في هذه الساعات البطيئة والخاوية يصعد من الروح إلى الذهن حزن الكينونة كلها، مرارة أن يكون هذا الاحساس يخصني وشيئاً خارجياً في الآن نفسه ليس تغييره في متناولي”. سألت نفسي: ما جدوى الكتابة أن لم تزح ما يجثم على صدورنا؟ لماذا نتنكر لضعفنا رغم أن كل ما نكتسبه من قوة وصمود واصرار هو من صنع فشلنا وانكساراتنا؟ اليس في ذلك إجحاف لكينونتنا الانسانية؟ لماذا نحرص على أن تكون جروحنا مبهمة وغرورنا واضح للعيان؟

حينما أنشأت هذه المدونة كان الهدف أن أستعيد عافيتي النفسية فهذا ما أفعله في كل مرة أتعرض فيها لصدمة أو ضربة موجعة من الحياة أو حتى خذلان الاشياء التي تمر بدون أن تحدُث. إستعادة القدرة على الوقوف على قدمي مجدداً بعد السقوط أو التعثر يتطلب أن أحقق إنجاز ما يجعلني أستعيد ثقتي في نفسي. هكذا حصدت ثمن خساراتي .. مدونة فتحت لي نافذة صغيرة على العالم ..التحاقي لدراسة الماجستير ونجاحات أخرى صغيرة 

الفقدان بحد ذاته موجع والوجع يتضاعف حينما نفقد الطمأنينة. الاشتياقات بالنسبة لي كما هي بالنسبة لفرناندو بيسوا”لدى منها الكثير حتى مما لا يمت إليّ بصِلة بسبب قلق الهروب من الزمن وداء الحياة الملغَّزة. الوجوه التي أعتدت رؤيتها في شوارعي المعتادة، يعتريني الحزن حين لا أراها وهي ليست مني في شئ إن لم تكن رمزاً للحياة بكاملها”. ووالدي كان رمزاً لحياة فقدت نصفها حينما فقدته في حادث سير مروع. كنت بحاجة ماسة حينها لشئ ما ينقذ النصف المتبقي من حياتي، من إلحاح الذكريات وانطفاء البهجة والدفء من بيتنا .. بيتنا الذي تعرض لهزة أخرى قبل وفاته بفترة بسيطة حينما خسر والدي تجارته وشركاته واملاكه بفعل الاهمال والظلم. إنهيار أربعون عام من الكفاح ليست بالأمر الهين لمن ترك مقاعد الدراسة في المرحلة الابتدائية ليعمل في مهن بسيطة ليعيل أسرته .. لمن تغرب عن وطنه وطرق جميع الابواب حتى يصل إلى ما وصل إليه. في كل مرة كنت أحاول فيها أن أهون عليه الأمر كان يسبقني بالسؤال: ما هو اسوء شئ يمكن أن يحدث يا أبنتي؟ المال والتجارة يمكن تعويضهما ومن بدأ من الصفر يستطيع أن يبدأ من جديد من صفر آخر ..لا أخشى شئ سوى خسارة حريتي

كان نظره قد بدأ يضعف في السنوات الأخيرة ولكنه كان يرفض ان يوصله أحد أو أن يستعين بسائق متعللاً بكثرة تنقلاته ومشاويره اليومية. أكثر ما يؤلمني حينما أتذكرالحادثة هو أنني لم أره في اليوم الذي سبق يوم وفاته رغم أنني كنت حاضرة في المنزل

لا أعرف لأي غاية أتذكر كل ذلك الآن وأنا أتأمل الدقائق الأولى لشروق الشمس؟ هناك هاجس ما يخبرني أنها قد تكون بداية جديدة بعد تعثر طال أمده. أستعدت تلك المقولة والصورة الموجعة التي لم تبارح تفاصيلها ذاكرتي منذ خمس سنوات حتى بعد أن مسحتها من ذاكرة هاتفي. أربط بينها وبين كلمات والدي رحمه الله وأهمس لنفسي: ليست جميع الخسائر خسائر حقيقية، قد لا ندرك ذلك في نفس الوقت ولكننا سنكتشف ذلك لاحقاً

لماذا الفراشة؟ يسألني بعض الاصدقاء المقربين بشكل متكرر عن سبب إختياري لهذا الاسم حينما بدأت رحلتي التدوينية قبل أن أعلن عن أسمي الحقيقي. سأجيب على هذا السؤال بإقتباس آخر لبيسوا “لأن كل ما يحيط بنا يتحول إلى جزءٍ من ذواتنا”. لم أختر الفراشة ولكنها أختارتني حينما تكررت كرمز في حياتي. ربما هي طبيعتي الديناميكية التي تمل السكون وتحب الحركة والتغيير هو ما أكسبني هذه التسمية.  ظهور الفراشة أمامي في أي مكان كان دائماً يرتبط اما بظهور اشخاص أوبرحيلهم من حياتي.  في العشرينات من عمري أرسلت رسالة لإعلامية معروفة في أحدى المجلات العربية وتلقيت رداً منشوراً منها على رسالتي عنونته بالفراشة أثنت فيه على أسلوبي في الكتابة وشبهتني فيه بالفراشة. الآن وفي هذه المرحلة من حياتي أصبح السفر واستكشاف العالم هو شغفي الثاني بعد القراءة

قبل أن يحصد تطبيق الانستغرام شهرته الحالية انشأت حساب بأسم “فراشة” ظل مهملاً لأكثر من عشر سنوات لأنني لم أقرر كيف سأستخدمه أو ما هي المادة التي سأنشرها فيه وحينما قررت كنت أؤجل وأسوّف ولكنني قررت اليوم أن أخصصه للكتابة حول تجاربي في السفر، الوجوه العابرة التي ألتقيها والمواقف التي مررت بها وستكون بداية لهذيانات عشوائية جديدة من نوع مختلف تشبهني أكثر من أي وقت مضى

Share

تقاطعات فريدا

Posted on March 11, 2020 by Suad

أنا أرسم لأني وحيدة في كثير من الأحيان، لأني أنا الموضوع الذي أعرفه أكثر من المواضيع كلها”

أحياناً يكون الإحجام عن طلب المساعدة في أشد أوقات الألم هو نداء الاستغاثة بحد ذاته. أغلبنا يمثل “حتى يصبح القناع هو الوجه”ويسخر حتى تصبح سخريته شكلاً من أشكال التحايل على الجراح أكثر من كونها محاولة للخداع فلا يستطيع الآخرون أن يفرقوا بين الوجه والقناع وبين الخداع والألم

الأدب والفن أيضاً وجهان لكنهما حقيقيان جداً وقد يكونا نوعاً من أنواع الحراك والنضال ضد الطغيان والظلم أو ضد معاناة الأنسان مع نفسه. معظمنا يتأثر ويتفاعل مع العذاب النفسي أكثر من العذاب الجسدي، ربما لأن قلة منا يختبرون ألم الجسد بشكل منتظم ولكننا جميعاً وبدون استثناء مبتلون بشكل أو بآخر بعذاب النفس ومعاناتها. بعضنا يعاني من ما يمتلك وبعضنا من ما لا يمتلك أو حُرم منه بعد امتلاكه وبعضنا الآخر لإكتشافه أن ما ظن أنه قد أمتلكه لم يمتلكه في يوم من الأيام. لا أحد يستطيع أن يجزم أيهما أصعب: العيش مع الحرمان أوالعيش مع آمال وتوقعات تنتهي بالخذلان

حتى في اللحظات التي يُقدر لنا فيها أن نتعثر ببعض الصدف الرائعة نكون مخيرين بين ان نشعر بالخسارة أن لم نسلم أنفسنا للتجربة أو بالشقاء أن أنحنينا وأستسلمنا لها. معضلة المفاضلة بين الزخم والديمومة ليست بالسهولة التي يصورها البعض فالحصول أو التخلي عن اللحظات والاشياء والأشخاص الذين لا يضاهون في حياتنا له ثمن باهظ ليس بمقدور الجميع أن يتحمله

لطالما تجاهلت مقدمات كتب السير الذاتية التي يسهب المؤلف أو المترجم فيها في استعراض قدرته علي سبر أغوار الشخصية التي يقدمها، أراها أقرب لتقصي وجمع الحقائق من اكتشاف يحق له أن يتباهى به. الاستثناء الوحيد كان مقدمة سيرة حياة الرسامة المكسيكية فريدا كاهلو لهايدن هيريرا وعن لقيتها النفيسة التي عثرت عليها بالمصادفة بين الكتب المصفوفة في مخزن كتب “شكسبير أند كو”في باريس. ما كان لي وأنا المهووسة بالرسائل والصدف أن أتجاهل كل هذه الاشارات الواضحة، فشغفي بالقراءة وبمكتبة شكسبير وبإكتشاف الجوانب المظلمة والانسانية جعلني أتوقف مراراً بعد ذلك لأعيد قراءة بعض العبارات والرسائل وأطابق تفاصيلها بتفاصيل صور ولوحات فريدا. وكلما أوغلت في القراءة كنت أجد المزيد من التقاطعات بين أفكار ومعاناة فريدا الداخلية وبين أفكارنا ومعاناتنا الداخلية كبشر حتى وان كانت لا تتقاطع معها في الوقائع والاحداث

فريدا البغيضة واللاذعة التي كانت تتمنى أن تكون مجرد شئ في منتهى الصغر حتى يستطيع صديقها اليخاندرو ان يحملها دائماً في جيبه كانت أول خيباتها حينما أدركت انه حتى وأن أغرت الاشياء الصغيرة والسهلة الجيوب لتستحوذ على مكان لها فيها فهذا لا يعد ضمانة لبقائها هناك إلى الأبد

حينما قررت فريدا أن تتزوج من الرسام دييغو ريفيرا، ذُهل بعض اصدقائها لأنها ستهجر اليخاندرو من أجل عجوز قبيح المظهر ولكن دييغو كان الفنان العبقري الذى رعى موهبتها وقدم لها أكثر من باقات الورود والنكات التي كان يهديها لها اليخاندرو. ما جمعهما كان مزيج متشابه من السخرية وروح الفكاهة السوداء. كلاهما كان يرفض المبادئ الاخلاقية البرجوازية ويفضل صحبة الأعداء الاذكياء على الاصدقاء البلهاء. إبان سنوات دراستها في الاعدادية كانت فريدا مفتونة به إلى الحد الذي جعلها ترد ذات مرة على صديقة لها وصفته بالعجوز القذر ذو الكرش والمظهر المروع أنه “لطيف ورقيق وحكيم جداً. سوف أحممه وأنظفه”. كانت خيبة فريدا الثانية حينما أكتشفت أنه لا شئ يمكن أن ينظف الانسان من ادران الانانية والنزوات والخيانة

كان الجميع يتوقع ان تتحدث فريدا بشكل معلن عن معاناتها مع رجل غارق في ذاته ولكنها كانت تراها تسوية طبيعية مثل “ضفتي نهر لا تتعذبان أو تشكيان لأنهما سمحتا للماء بالمرور والتدفق أو كتربة لا تكابد الجفاف لان المطر لم يهطل ليسقيها”. في مقالة لها عنونتها ب “بورتريه لدييغو” كتبت فريدا: لن أتحدث عن دييغو باعتباره زوجي لان الامر سيكون مثير للضحك، دييغو لم ولن يكون زوج أية واحدة من النساء. ولن أتحدث عنه بوصفه حبيبي، لأنه بالنسبة لي تسامى عن عالم الجنس، وإذا ماتسنى لي أن أتكلم عنه بوصفه أبناً فأني لن أفعل شيئاً سوى وصف أو رسم عواطفي أنا، تقريباً صورتي الذاتية، لا صورة دييغو الذاتية 

قصة فريدا لا تشبه فساتينها المزركشة أو اكسسواراتها الملونة لكن الازياء بالنسبة لها كانت قناع لصرف انتباهها وانتباه الرائي عن سوداوية وجعها الباطني. اليس هذا مانفعله كل يوم ونحن نحاول أن نحمّل ملابسنا هوية ربما لاتروق للبعض أو تجعلهم يخشون الاقتراب منا؟ ما الذي يجعل محاربة شيوعية ثورية تمقت الرأسمالية والبرجوازية تعرض ثياب التيهوانا للباريسيات المترفات على غلاف مجلة ازياء مثل فوغ تصورها للازياء لا يخرج عن نطاق الفخامة الباذخة؟

الرسم كان جزء من معركة فريدا من أجل الحياة ولتحقيق ما عجزت عن تحقيقه في الواقع بعد ان كُسر عمودها الفقري في حادث سير وهي في ربيعها الثامن عشر ورغم ذلك لم يكن في أعمالها ما يشير إلى الإشفاق على الذات. كانت المرأة التي قال عنها دييغو مرة: لو أني فارقت الحياة من دون أن أعرفها كنت سأموت من دون أن أعرف المرأة الحقيقية

Share

Older Posts »