في العام الماضي وأثناء حضوري لورشة العمل التدريبية للمدونين والإعلاميين المستقلين العرب للتجاوب مع الإيدز ألتقيت بعائشة (أحدى المتعايشات مع فيروس الإيدز) والتي لمست من خلال حديثها حجم الاضرار النفسية التي لحقت بها جراء المعاملة القاسية التي لقيتها من المحيطين بها منذ بداية مشوارها مع مرض الإيدز، وبقدر ما تأثرت بقصة عائشة وألمها بقدر ماسررت هذا العام بنبرة التفاؤل والأمل التي شعرت بها في صوت رياض (متعايش آخر من تونس)، فهناك تطور ايجابي ملموس في التجاوب مع الإيدز والتفاعل مع هموم ومعاناة المتعايشين من خلال نشر قصصهم عبر وسائل الاعلام. هناك حملات نشطة على مستوى الوطن العربي ومحاولات لإنشاء بعض المؤسسات والجمعيات الخيرية لدعم مرضى الايدز في اقطار عربية كانت ترفض سابقاً مجرد الاعتراف بالمرض، فهل سنشهد اليوم الذي تستطيع فيه طفلة مثل سارة ان تتخلى عن قناعها الابيض لتقف امام الناس بكل قوة وشجاعة؟
رياض كان من ضمن الحضور في الإجتماع الإستشاري الإقليمي لإعداد دليل تدريبي حول حقوق النساء في مواجهة تحدي الايدز والذي نظمه البرنامج الإقليمي للأيدز في الدول العربية (هارباس) وقد كان حاضرا معنا في معظم جلسات النقاش والتشاور. أكثر ما كان يضايق رياض هو النظرة الدونية التي ينظر بها المواطن العربي للمتعايشين وماينادى به البعض من اقصاء لمرضى الإيدز وعزلهم عن المجتمع وحينما سألته عن امنياته للاعوام المقبلة قال: ان يحصل المتعايش على كافة حقوقه كإنسان في الحياة والصحة والغذاء والمسكن والخصوصية والمعلومات والتعليم والعمل وعدم التمييز
لم اسأل رياض عن قصته أو تفاصيل مرضه وفضلت ان اترك له المجال ليتحدث بحرية عن مشاعره وتمنياته بمناسبة اليوم العالمي للإيدز الذي يصادف الأول من ديسمبر من كل عام، وكان هذا اللقاء السريع الذي أجريته معه في بهو الفندق
واذا كان هذا هو السبب الحقيقي للمنع فلماذا هذا الفيلم بالذات فجميعنا يعرف ان هوليوود تدار بروؤس أموال يهودية ومعظم افلامها تعزف بذكاء على وتر المحرقة وما عاناه اليهود في المعتقلات والمعسكرات النازية، بل انها تجدد الذكرى كلما نسيها العالم من خلال انتاج افلام بالجملة تتناول أغلبها قصص مآسي وضحايا الهولوكوست لدرجة اننا لم نعد نفرق اي منها حقيقي واي منها من نسج خيال مؤلفيها أو اننا ببساطة توقفنا عن طرح هذا السؤال. رواية الصبي ذو البيجاما المخططة رواية خيالية بإقرار مؤلفها الايرلندي الاصل جون بوين الا ان ذلم لم يمنع وصولها للمركز الأول طبقاً لإحصائيات صحيفة نيويورك تايمز وتصدرها لقائمة الكتب الاكثر مبيعاً في المملكة المتحدة، ايرلندا واستراليا وعدة دول اوروبية اخرى
الساخر والمؤلم في الامر ان جميع هذه الافلام تناولت الاضطهاد والعنصرية التي عانى منها اليهود في المعتقلات والمخيمات المحاطة بأسلاك شائكة و جدران مرتفعة انشأها النازيون لعزلهم وتصفيتهم، التجويع والتعذيب وقتل الاطفال وكبار السن وهو مايحدث بحذافيره للشعب الفلسطيني ان لم يكن ابشع منه. فلماذا لم يتحدث احد عن هؤلاء الضحايا الذين يعيشون الحاضر لا الماضي الذي يتباكى عليه اليهود الآن؟ لماذا يعلو صوت الضحايا اليهود فوق اصوات ضحايا العالم الآخرين وكأنهم هم الضحايا الوحيدون الذين يستحقون الرثاء والشفقة رغم انهم من اعاد التاريخ وكرر مآسي الهولوكوست ذاتها في فلسطين؟؟
في العام الماضي انتجت اسرائيل فيلم “رقصة فالس مع بشير” الذي يوثق قصة الجندي الاسرائيلي السابق “آري فولمان” من خلال رؤيته الخاصة لحرب إجتياح لبنان في الثمانينات ويعقد مقارنة بين الهولوكوست وبين مذبحة صبرا وشاتيلا. وقد قدم فولمان الفيلم على شكل فيلم رسوم متحركة رُشح للفوز بقوة بجائزة الاوسكار الا انه خسرها امام فيلم المليونير المتشرد. وقد أعلنت بعض الدول العربية عن منعها عرض الفيلم بسبب سياسة مقاطعة المنتجات الاسرائيلية رغم ان بعض النقاد رأى ان الفيلم بمثابة اعتراف موثق من جندي اسرائيلي سابق بالجرائم التي أُرتكبت بحق العرب، بينما رأي البعض الآخر ان تركيز الفيلم على مجزرة صبرا وشاتيلا دون عن غيرها من المجازر التي ارتكبها العدوان الاسرائيلي فيه تنصل اسرائيلي واضح من المسئولية التي تلقيها كاملة على حلفائها وتؤكد من خلاله على كليشيهات الكراهية العنصريّة بأن العرب يقتلون دفاعاً عن «الشرف» و«العرض»، كما انهم (أي العرب) يمرون في الفيلم عرضاً وكتلاً في ظهور خاطف كي لاتقوم بينهم وبين المشاهد علاقة مقارنة بمشاهد الجنود الاسرائيليين الذين لايظهرون الا فرادى
الاكتفاء بمقاطعة الافلام التي تروج لها آلة الدعاية الصهيونية وحظر عرضها في الدول العربية لن يصحح الصورة او الحقائق التاريخية التي يحاولون تزييفها ولن يوثق جرائمهم أو يمنع هوليوود من انتاج المزيد من الافلام التي تتباكى على مآسي اليهود وتذكي نار تأنيب الضمير الذي سيظل العالم يشعر به دائماً نحو اسرائيل