ماذا علمتني الحياة؟
لم أكن يوما من محبي قراءة كتب السيرة الذاتية أو المذكرات الشخصية ، الا أنني وبعد قراءتي السيرة الذاتية للناشطة الايرانية شيرين عبادي الحائزة على جائزة نوبل للسلام قررت ان اخوض غمار المزيد من هذا النوع من الكتب لما تحمله بين طياتها من تجارب حقيقية قد تجعلنا نغير نظرتنا لبعض المواقف والاحداث التي تعترض حياتنا.
في معرض البحرين الدولي للكتاب والذي أقيم مؤخرا في مركز البحرين الدولي للمعارض، لفت إنتباهي كتاب (ماذا علمتني الحياة؟) والذي يروي السيرة الذاتية للمفكر الدكتور جلال أمين. لم أنته من قراءة الكتاب بعد ولكنني تصفحته بشكل سريع وأعجبتني قصة فيلم تم نشرها على الغلاف الخارجي للكتاب يبدو انها هي التي ألهمت المؤلف كتابة قصة حياته وهذا هو النص المكتوب عن الفيلم:
ماذا علمتني الحياة؟
منذ سنوات رأيت فيلما بولنديا صامتا لا يزيد طوله على عشر دقائق، ظلت قصته تعود إلى ذهني من وقت لآخر، وعلى الأخص كلما رأيت أحدا من أهلي أو معارفي يصادف في حياته ما لا قبل له برده أو التحكم فيه.
تبدأ القصة البسيطة بمنظر بحر واسع يخرج منه رجلان يرتديان ملابسهما الكاملة، ويحملان معا، كلا منهما في طرف، دولابا عتيقا ضخما، يتكون من ثلاث ضلف، وعلى ضلفته الوسطى مرآة كبيرة. يسير الرجلان في اتجاه الشاطئ وهما يحملان هذا الدولاب بمشقة كبيرة حتى يصلا إلى البر في حالة أعياء شديد، ثم يبدآن في التجول في أنحاء المدينة وهما لا يزالان يحملان الدولاب. فإذا ارادا ركوب الترام حاولا صعود السلم بالدولاب وسط زحام الركاب وصيحات الاحتجاج. وإذا اصابهما الجوع وأرادا دخول مطعم، حاولا دخول المطعم بالدولاب فيطردهما صاحب المكان.
لا يحتوي الفيلم الا على تصوير محاولاتهما المستميتة في الاستمرار في الحياة وهما يحملان دولابهما الثقيل، إلى ان ينتهي بهم الأمر بالعودة من حيث أتيا، فيبلغان الشاطئ الذي رأيناه في أول الفيلم، ثم يغيبان شيئا فشيئا في البحر، حيث تغمرهما المياه وهما لا يزالان يحملان الدولاب.
منذ رأيت هذا الفيلم وأنا أتصور حالي وحال كل من أعرف وكأن كلا منا يحمل دولابه الثقيل، يأتي معه الى الدنيا ويقضي حياته حاملا اياه دون ان تكون لديه أية فرصة للتخلص منه. ثم يموت وهو يحمله. على أنه دولاب غير مرئي، وقد نقضي حياتنا متظاهرين بعدم وجوده، أو محاولين أخفاءه، ولكنه قدر كل منا المحتوم الذي يحكم تصرفاتنا ومشاعرنا واختياراتنا أو ما نظن انها اختياراتنا. فأنا لم أختر أبي أو أمي أو نوع العائلة التي نشأت بها، أو عدد أخوتي وموقعي بينهم، ولم أختر طولي أو قصري، ولا درجة وسامتي أو دمامتي، أو مواطن القوة والضعف في جسمي وعقلي. كل هذا على أن أحمله أينما ذهبت، وليس لدي أي أمل في التخلص منه.
ربما أتفق مع الكاتب بأن لكل منا دولابه الثقيل منذ لحظة المجئ إلى هذه الحياة الا ان هناك دولاب آخر قد يكون أشد ثقلا من الأول ومع ذلك يختاره البعض طواعية ويظل يحمله طوال حياته حتى لحظة عودته الأخيرة إلى البحر .. انه الدولاب (القضية) .. الدولاب الذي كتبت عنه أحلام مستغانمي في أحدى رواياتها نصا تقول فيه: “من الافضل ان تحبي رجلاً في حياته امرأة على أن تحبي رجلا في حياته قضية. فقد تنجحين في امتلاك الأول ولكن الثاني لن يكون لك .. لأنه لا يمتلك نفسه!”.
وإذا كان العيش صعب بدولاب واحد فكيف يكون الأمر بدولابين أو أكثر؟