ماذا علمتني الحياة؟

Posted on April 9, 2008 by Suad

لم أكن يوما من محبي قراءة كتب السيرة الذاتية أو المذكرات الشخصية ، الا أنني وبعد قراءتي السيرة الذاتية للناشطة الايرانية شيرين عبادي الحائزة على جائزة نوبل للسلام قررت ان اخوض غمار المزيد من هذا النوع من الكتب لما تحمله بين طياتها من تجارب حقيقية قد تجعلنا نغير نظرتنا لبعض المواقف والاحداث التي تعترض حياتنا.

 

في معرض البحرين الدولي للكتاب والذي أقيم مؤخرا في مركز البحرين الدولي للمعارض، لفت إنتباهي كتاب (ماذا علمتني الحياة؟) والذي يروي السيرة الذاتية للمفكر الدكتور جلال أمين. لم أنته من قراءة الكتاب بعد ولكنني تصفحته بشكل سريع وأعجبتني قصة فيلم تم نشرها على الغلاف الخارجي للكتاب يبدو انها هي التي ألهمت المؤلف كتابة قصة حياته وهذا هو النص المكتوب عن الفيلم

 

ماذا علمتني الحياة؟

 

منذ سنوات رأيت فيلما بولنديا صامتا لا يزيد طوله على عشر دقائق، ظلت قصته تعود إلى ذهني من وقت لآخر، وعلى الأخص كلما رأيت أحدا من أهلي أو معارفي يصادف في حياته ما لا قبل له برده أو التحكم فيه.

 

تبدأ القصة البسيطة بمنظر بحر واسع يخرج منه رجلان يرتديان ملابسهما الكاملة، ويحملان معا، كلا منهما في طرف، دولابا عتيقا ضخما، يتكون من ثلاث ضلف، وعلى ضلفته الوسطى مرآة كبيرة. يسير الرجلان في اتجاه الشاطئ وهما يحملان هذا الدولاب بمشقة كبيرة حتى يصلا إلى البر في حالة أعياء شديد، ثم يبدآن في التجول في أنحاء المدينة وهما لا يزالان يحملان الدولاب. فإذا ارادا ركوب الترام حاولا صعود السلم بالدولاب وسط زحام الركاب وصيحات الاحتجاج. وإذا اصابهما الجوع وأرادا دخول مطعم، حاولا دخول المطعم بالدولاب فيطردهما صاحب المكان.

 

لا يحتوي الفيلم الا على تصوير محاولاتهما المستميتة في الاستمرار في الحياة وهما يحملان دولابهما الثقيل، إلى ان ينتهي بهم الأمر بالعودة من حيث أتيا، فيبلغان الشاطئ الذي رأيناه في أول الفيلم، ثم يغيبان شيئا فشيئا في البحر، حيث تغمرهما المياه وهما لا يزالان يحملان الدولاب.

 

منذ رأيت هذا الفيلم وأنا أتصور حالي وحال كل من أعرف وكأن كلا منا يحمل دولابه الثقيل، يأتي معه الى الدنيا ويقضي حياته حاملا اياه دون ان تكون لديه أية فرصة للتخلص منه. ثم يموت وهو يحمله. على أنه دولاب غير مرئي، وقد نقضي حياتنا متظاهرين بعدم وجوده، أو محاولين أخفاءه، ولكنه قدر كل منا المحتوم الذي يحكم تصرفاتنا ومشاعرنا واختياراتنا أو ما نظن انها اختياراتنا. فأنا لم أختر أبي أو أمي أو نوع العائلة التي نشأت بها، أو عدد أخوتي وموقعي بينهم، ولم أختر طولي أو قصري، ولا درجة وسامتي أو دمامتي، أو مواطن القوة والضعف في جسمي وعقلي. كل هذا على أن أحمله أينما ذهبت، وليس لدي أي أمل في التخلص منه.

 

ربما أتفق مع الكاتب بأن لكل منا دولابه الثقيل منذ لحظة المجئ إلى هذه الحياة الا ان هناك دولاب آخر قد يكون أشد ثقلا من الأول ومع ذلك يختاره البعض طواعية ويظل يحمله طوال حياته حتى لحظة عودته الأخيرة إلى البحر .. انه الدولاب (القضية) .. الدولاب الذي كتبت عنه أحلام مستغانمي في أحدى رواياتها نصا تقول فيه: “من الافضل ان تحبي رجلاً في حياته امرأة على أن تحبي رجلا في حياته قضية.  فقد تنجحين في امتلاك الأول ولكن الثاني لن يكون لك .. لأنه لا يمتلك نفسه!”.

 

وإذا كان العيش صعب بدولاب واحد فكيف يكون الأمر بدولابين أو أكثر؟

Share

Comments

  • مكان on April 10th, 2008

    هذا كتاب رائع فعلا والسيرة فيه لذيذة…
    بعد قرائتي له قرأت سيرة بحرينية لمحمد حسن كمال الدين بعنوان “على ضفاف الوطن”
    كنت أقارن بين :كيف يصنع كمال الدين الابن كمال الدين الأب؟ وبين تعرية أمين الابن لأمين الأب؟

    هل فعلا أن الأبن لا يستطيع الكتابة بشيء من الحيادية عن أبيه؟
    لماذا استطاع جلال أمين رصد كل شيء عن أبيه خصوصا محاولات أبيه
    لاسقاط طفلها (جلال) لأنه لايريد مزيد عن الأطفال ؟وهو الذي يظهر حبه
    لأبيه في سيرته الذاتية؟
    وهنا كتابات كثيرة بقلم الأبناء عن الآباء تجاوزت الجمل المدائحية الضخمة التي
    ساقها كمال الدين عن أبيه إلى كتابة تنظر إلى الأب شخصيةً يمكن نقدها وتجاوز عاطفتها
    أثناء الكتابة … عند الكتّاب اليقظين فقط!

    كتاب (ماذا علمتني الحياة) يستحق القراءة

  • Butterfly on April 11th, 2008

    مكان

    أتفق معك، اذ انه من الصعوبة في عالمنا العربي ان يسرد المرء وقائع حياته دون ان يشوب ذلك شيئا من التكتم على بعض الاسرار التي تجاوزها جلال أمين في تعريتة لشخصية أبيه وفي كشفه لقصة حب والدته لأبن خالها والكثير من التفاصيل الأخرى. لكنه بقى قريبا من القارئ .. قريبا من بيته ومن أسرته ومن تفاصيل حياته اليومية وهذا هو في نظري سر نجاح سيرته الذاتية.

Leave a Reply

Name

Email

Website

*