الوجه الآخر
قد لا أكون مختلفة .. لكن الفرق بيني و بين سواي أنني لا أنسبُ لحرفي سبباً أو حباً ..فأنا أجيدُ تقبيل نفسي ..كما أحب أن أُحيط ذاتي بذراعي ..أحتويني . وقد لا أكون جميلة أيضًا .. لكن كلّ مافيّ مبتسم..دافيء.. والأهم أنه يُتقنُ الحضُور.
أكثر من مرة فكَّرتُ بأن أجري عملية تجميلية أطَبِّق فيها شفاهي التي لا تكف عن توزيع الابتسامات بالتسَاوي على أرجاء الآخرين .. فأنا متهمة بـأسناني التي تُكشّر عن بياضها حتى نحو الأشخاص الذي لا يعتبرون ما أفعله جزءًا من صَدَقة …وإنما قد تعني لديهم تعبيرًا مهذبًا.. عن رغبة غير مهذبة.
أعترف هنا بقسوة ..بأنني أنظر إلى نفسي كثيراً في (المرآة) .. لا يعيبني أنني أفعل ما تفعله الإناث دائمًا..أليس كذلك ؟!.. فالمرآة حنونة كما الأمهات لا يُهمها إن كنتُ قبيحة ..أو جميلةً ..فهي لن تتوارى عن تقبيلي ..وإن كنتُ ملطَّخة بالجراح.. وحدها كما الكتابة قادرة على استقبالي في كل الأوقات .. وأصعبها ..تحفظ سرِّي .. تضاريسَ وجْهي ..و آخر قطراتِ عطرٍ أفارقها.
لم أجد كلمات تعبر عني مثل هذه الكلمات التي كتبتها الشاعرة السعودية هيلدا إسماعيل ولم أجد كذلك مقدمة أفضل منها للكتابة حول موضوع سبب لي مؤخرا بعض الضيق. فبطبيعتي لا أحب الادعاء والمدعيّن وبشكل عام أحرص على ان اكون نفسي في جميع الاوقات والظروف دون تكلّف أو تصنّع.
أؤمن كثيرا بأن الصورة مكمل للمضمون والعكس صحيح ، وبأن هناك دائما جزء منا لا تبوح به هيئتنا الخارجية ولا اسلوبنا او طريقة تعاملنا مع الآخرين تماما مثلما لا تبوح الكتابة بالجزء الآخر من هويتنا التي تكشف عنها الستار معرفتنا الحقيقية بالشخص الآخر، هناك جزء ناقص لا يتم أكتشافه ما لم نكتشف الجانب الآخر من الاشياء.
العزيزة سلفر صاحبة المدونة المشاكسة سلفروو أخبرتني بعفويتها المعروفة عنها في أول لقاء جمعني بها انها كانت قد رسمت لي في مخيلتها صورة معينة بناء على متابعتها وقراءاتها لمواضيع مدونتي. لم يكن يهمني كثيرا ان بدا شكلي أو مظهري الخارجي مغايرا للصورة التي تخيلتها بقدر ما انتابني الفضول لمعرفة انطباعها عن الشخصية التي تركتها حروف مدونتي. ويبدو ان تخميناتها قد خذلتها حتى من هذه الناحية ففراشة هذيان الحروف في نظرها كانت أكثر تقليدية وتحفظا من الفراشة التي التقتها والتي حسب ما وصفتها في موضوعها الآخير بأنها مرحة وتتسم بالحيوية والنشاط.
نفس الموضوع حدث معي حينما التقيت بكرادل أوف هيومنتي ليس فقط بسبب توقعاتي ان تكون صاحبة هذه المدونة الدسّمة المواضيع أكبر سناً ولكن لأنني كنت أعرفها وألتقيت بها شخصيا عدة مرات في العام الماضي ولم أتخيل ان تكون هي ذاتها صاحبة المدونة التي صرت أتابعها وأترك بعض تعليقاتي علي بعض موضوعاتها بين الحين والآخر .. مفاجأة ولكنها كانت مفاجأة من النوع السار.
في الاجتماع الأخير للمدونين البحرينيين والذي جمعني مجددا بجاردنز أوف ساند روت لي عن الارتباك الذي تسببه مدونتها لوالدتها التي تبدي دهشتها في بعض الاحيان من بعض كتاباتها التي تشعرها بأنها تتعرف لأول مرة على جانب لم تعهده فيها ويبدو غريبا بالنسبة لأم تظن انها تعرف شخصية ابنتها جيدا، تقول جاردنز اوف ساند ليس هناك من هو أقدر مني على معرفة نفسي الا أنني حينما أقول عن نفسي بأنني شخصية خجولة على سبيل المثال اشعر بأن الجميع لا يصدقونني لأنني ابدو منطلقة في الحديث في الحياة العادية.
وفي حديثها وانطباعاتها الشخصية عن اللقاء الأول الذي جمعها ببعض اصحاب المدونات والاقلام النسائية تقول جاردنز اوف ساندز:
The meeting reaffirmed my belief that I should never judge a book by its cover. Or in this case, never judge a book cover by its contents. It is amazing how one forms notions of another’s appearance and behavior based on their writings. You expect them to be and look a certain way and boom! You meet in person and they are not at all how you thought they would be. It is funny how quick we are to peg someone.
والسؤال هو هل نحن أنفسنا في التدوين وخلف الشاشة كما نحن في الحياة العادية؟ نعم ولا في الوقت ذاته.
الجانب الذي تبوح به مدوناتنا في رأيي هو الجانب الأكثر حقيقية وأقل زيفاً من الجانب الآخر الذي نقابل به الناس كل يوم في أعمالنا وبيوتنا وحتى مع أقرب الناس لنا، جانب نعبر عنه بكل طلاقة ويٌسر من خلال لوحة مفاتيح الحاسب الآلي ولكننا لأسباب مختلفة ومتعددة لا نر داع لتعريته أمام من يهمنا ومن لا يهمنا أمره . ومع ذلك فنحن نمتلك القدرة على الظهور بأكثر من صورة وشخصية تنافي الجانب الحقيقي فينا ظنا منا بأنها الاصلح والافضل لمجابهة الحياة والناس في المواقف المختلفة وقد تصدق ظنوننا أو تخيب.
واحيانا أخرى تكون مجرد ستار .. غطاء يحمينا من الآخرين .. من استغلالهم لنقاط ضعفنا ومواطن انسانيتنا.
عقولنا .. مشاعرنا .. شخصياتنا .. عملة من وجهين وبدون ان نعي نحاول الموازنة بينهما لأننا لا نستطيع مواجهة الحياة على الدوام بوجه واحد .. عابس كان او مبتسم .. خجول أو جرئ .. عقلاني أو عاطفي .. بسيط أو معقد.