اسمحوا لي
اختارتها مجلة فوربي من بين أقوى 50 شخصية عربية وأطلق عليها البعض لقب سيدة الربيع بينما أدان البعض الآخر ربيعها فرماه بالسخافة والخلاعة، فكان ردها ان الرقيب قد تلاشى دوره في عهد الانفتاح بالبحرين وانه من حق الجميع ان يبدي رأيه وانها مع قبول الرأي الآخر، وهي التي قالت بأن الثقافة افق مفتوح تؤسس ولاتحكمها اية ظروف او مصالح او اشخاص
راهن عليها الكثيرون وكنت أول من راهن ورهاني كان على المرأة الرائدة التي تطمح للتغيير، المرأة التي ترفض ان تكون الثقافة تركة او تحت وصاية الإعلام، المرأة التي كانت ولازالت تتنازل عن مقعدها في الصف الأول لزوارها وضيوفها في كل مناسبة او فعالية ثقافية تنظمها وزارتها لتنزوي في الصفوف الخلفية او تتوارى في ركن خلف الكواليس
هي مي آل خليفة التي كنت اراهن عليها بالأمس لا التي رافق خبر تنصيبها اليوم وزيرة للإعلام أول قرار يتنافى مع ماكانت تنادي به من احترام للرأي الآخر ومن تصريح بتلاشى الرقيب في عصر الانفتاح
صحيح ان قرار حجب المواقع الالكترونية ليس بالقرار الجديد ولا تتحمله الشيخة مي وحدها فقد سبق وان قامت الوزارة السابقة بحجب عدد من المواقع في السنوات الأخيرة، وصحيح ان بعض المواقع التي تم حجبها تتضمن اطروحات طائفية او مسيئة ولكن الجديد في القرار هو توسيع دائرة الحجب لتشمل خدمات اساسية وهامة يقدمها الفضاء الالكتروني للمستخدم كموقع قوقل للترجمة وموقع ديفيانت آرت الذي لايعدو عن كونه جاليري لرفع الصور والاعمال الفنية إلى جانب عدد كبير من المواقع البديلة (بروكسي) ومواقع أخرى لا علاقة لها بالدين أو السياسة أو الطائفية والتي نكتشف كل يوم اغلاق احدها دون الاستناد إلى اي مسوغات تبرر هذا القرار الاعتباطي والذي يبدو ان مستوى تطبيقه يتفاوت من شركة اتصالات لأخرى، فموجة الحجب طالت حتى الاعلانات التي تظهر في بعض المواقع الغير محجوبة الأمر الذي جعل من الأمر برمته مثار سخرية وتندر من القاصي والداني
هذا الموضوع يعود بنا من جديد لطرح السؤالين الاكثر أهمية: ماهو الهدف الحقيقي من موجة الحجب هذه وماهي الآلية والمعايير التي تتبعها وزارة الإعلام لتطبيق قرار الحجب؟
حسب ماصرحت به الشيخة مي في جريدة الوقت يوم امس ان القرار جاء لوقف المخالفات والتجاوزات التي ترتكب من قبل بعض المواقع الالكترونية وإلى الحد من انتشار المواقع المنافية للأخلاق وقيم وتقاليد المجتمع وبأنه تفعيل لمهام اللجنة الوزارية المؤلفة من وزير الداخلية ووزير العدل والشؤون الإسلامية ووزير الإعلام والتي أضافت حسب الصلاحيات الواردة في قرار تشكيلها كل من وزير شئون مجلس الوزراء ورئيس جهاز الأمن الوطني لحضور جلسات اعمالها
هل تعتبر مواقع الترجمة والصور ضمن المواقع المنافية للأخلاق والقيم؟ واذا كان الامر كذلك فهل قامت الوزارة أو حتى هل بإستطاعتها حجب جميع المواقع الاباحية الموجودة على شبكة الانترنت أو تلك التي تزود برامج البروكسي؟ هل ستستطيع الوزارة ان توقف البرامج المتعددة التي يتم تحميلها على جهاز الحاسب الآلي والتي يمكنها بسهولة فتح اي موقع محجوب وهل تعتزم حجب المواقع التي يتم من خلالها تحميل هذه البرامج؟ وماذا عن مواقع الشبكات الاجتماعية كالفيس بوك وتويتر وغيرها او مواقع الفيديو كيوتيوب والتي يمكن من خلالها نشر ما تقوم الوزارة بحجبه على المواقع الأخرى؟ ماذا عن العديد من البدائل والمخارج التقنية التي يجيد استخدامها اصغر طالب في المدرسة هذه الايام لتجاوز الحجب الذي تضيع وزارة الاعلام جل وقتها في التركيز عليه عوضا عن تطوير اجهزتها وطاقمها الفني والاداري الذي أكل عليه الدهر وشرب؟ وهل ستخرج علينا في نهاية المطاف بقرار يحجب شبكة الانترنت؟
واذا كان الامر متعلق فعلا بالوحدة الوطنية ونبذ الطائفية فلماذا لم يتم اغلاق مواقع ومنتديات تفوح من عناوين صفحاتها الأولى رائحة الطائفية والمذهبية؟ لماذا يطبق القانون على موقع ولا يطبق على آخر؟
ثم اين هو القانون في قرار اداري لايحتكم إلى اي اجراءات قضائية؟ الم يكن بالامكان توجيه انذارات للمواقع والمنتديات المخالفة ومن ثم استصدار قرار قضائي لحجب وعقاب المواقع المخالفة للقانون؟ الا يوجد حلول واساليب أخرى غير اسلوب المدرس الذي يعاقب طلاب فصل بأكمله لمخالفة ارتكبها طالب او اثنان؟
الم يكن هذا ما يطمح اليه ميثاق (مواقع بلا كراهية) الذي قمت انا وغيري من المدونين واصحاب المواقع بالتوقيع عليه على إعتبار ان حجب واغلاق المواقع طريقة اثبتت فشلها الذريع وان رفع مستوى الحوار والنقاش ونبذ الطائفية لايمكن ان يتم بأتباع وسائل قمعية لن ينتج عنها سوى المزيد من الاحتقان والانفلات؟
الم يفكر المسئولون في النتائج العكسية لقراراتهم، للاهمية التي يسبغونها على بعض المواقع التي لا شأن لها ولا قيمة .. بالشهرة والشعبية التي ستحققها بسبب تهافت وتزايد المترددين عليها من باب ان كل ممنوع مرغوب؟
ماذا استفاد المواطن أو الدولة من قرارات الحجب غير تراجع سمعة البحرين ومسيرتها الاصلاحية وانعدام الشفافية وانتهاك حرية التعبير وإرجاعنا الي عصور التخلف والظلام؟
ماذا استفدنا من مثقف يوضع على المحك فلا نرى منه الا الشعارات؟
لذلك اسمحوا لي
ففي بلاد يغتال فيها المفكرون، ويكفر الكاتب
وتحرق كتب، في مجتمعات ترفض الآخر، وتفرض الصمت على الافواه والحجر على الافكار
وتكفر اي سؤال، كان لابد ان استأذنكم ان تسمحوا لي
فهل تسمحون لي
ان اربي اطفالي كما اريد، وألا تملوا علي
اهواءكم واوامركم؟
دلع المفتي – صحيفة القبس الكويتية