Archive for the ‘شرفة الهذيان’ Category

فجر يوم جديد

Posted on 2010 02, 11 by Suad

حينما كنا صغاراً كان آباءنا يسألوننا ماذا نريد ان نكون حينما نكبر وحينما كبرنا تغير السؤال فأصبحنا نُسأل اين نرى انفسنا بعد عشر سنوات من الآن؟

لم يسألنا أحد ماذا نريد ان نكون الآن لا بعد عام او عشرة من الآن، لم يسألنا أحد ماهو مصدر راحتنا وسعادتنا

الاسبوع الماضي قدمت استقالتي من عملي حينما شعرت بأن اللحظة المناسبة قد حانت لإتخاذ قرار ارجأته أكثر من أربع سنوات، نلت خلالها مانلت من تعاسة واكتئاب وامراض نفسية وجسدية بسبب بعض النماذج السيئة التي مررت بها في العمل وشغلي لوظيفة لم تكن تلبي لي طموحي أو تتوافق مع ميولي وقدراتي أوصلتني لحالة يأس مزرية كانت تجتر معها اسوء المشاعر والافكار .  لم انتظر ريثما أحصل على فرصة عمل أخرى كما نصحني البعض، لم اتردد كما كنت أفعل في كل مرة، شيئاً ما كان يدفعني لإتخاذ هذه الخطوة، شيئاً ما كان يقول لي ان السباحة ضد التيار ليس عملاً بطولياً علي الدوام وان الاستسلام لوضع خاطئ ليس قناعة بل خنوع، شيئاً ما جعلني اصم اذناي عن كل الاصوات التي كانت تحاول ان تثنيني عن قراري وتصفه بالتهور الغير مدروس .. ربما كان حدسي .. احساسي .. صوت التجارب السابقة التي مررت بها

الحياة ليست ثابتة .. لاشئ فيها كذلك وحينما تتزعزع الارض تحت اقدامنا فهذه اشارة إلى ان الوقت قد حان للتخلى عن اماكننا واستكشاف ملاذ آخر لآمالنا واحلامنا.  الأمان والاستقرار ليسا نعمة بالضرورة فحينما نركن اليهما نهمل احلامنا ونقتات علي الروتين المعتاد، يموت بداخلنا شئ مهم هو الاحساس بمعنى وقيمة الاشياء، نتوقف عن التأمل والاستمتاع بالتفاصيل الصغيرة ويصبح اليوم مثله مثل الامس مثل الغد.  قليلون منا من يفكرون في التغيير حينما يقفون على ارض صلبة لايواجهون فيها العواصف

هذا ماتعلمته من “ج” زميل عمل في أول وظيفة التحقت بها بعد التخرج، “ج” كان يعتنق الديانة الهندوسية وعدا قلة من الموظفين كنت من بينهم كان الغالبية يتجنبون مخالطته وتناول الطعام معه بل حتى مصافحته.  ولكن “ج” بالنسبة لي كان أكثر من ديانة، كنت استمتع بقصصه التي لاتخلو جعبته منها ابداً وكنت اتساءل بيني وبين نفسي من اين يأتي بكل هذه الحكايات التي لاتنتهي.  “ج” لم يكن بارعاً فقط في سرد القصص بل في قراءة افكار من حوله والوصول إلى اعماقهم ففي آخر يوم عمل لي معه وبينما كنت أجمع حاجياتي استعداداً لترك مكتبي بعد ان قدمت استقالتي للالتحاق بعمل آخر شعر “ج” بمخاوفي وحزني الذي لم أعلن عنه لوداع المكان الذي شهد انتصاراتي وهزائمي .. قلت له :  يقولون ان الله عادل ولكنني لاأري العدالة التي يتحدثون عنها فالنصرة في عصرنا هذا من نصيب المنافقين والانتهازيين،  فقال لي اذاً اسمعي هذه القصة:  كان هناك ملك تربطه صداقة حميمة بوزيره فكان يصطحبه معه إلى اي مكان يذهب إليه حتى ذلك اليوم الذي كان فيه الملك يحاول قطع جذع شجرة فقطع اصبعه فلم يكن من الوزير الا ان قال ” الحمدلله ” فاستاء الملك كثيراً من تعليق الوزير وامر جنوده بإيداعه السجن فنطق الوزير مجدداً ” الحمدلله “.  في اليوم التالي خرج الملك للصيد فأبتعد عن حدود مملكته فوقع اسيراً لأحد القبائل التي احتجزته لكي تقدمه قرباناً لآلهتهم الا ان اصبعه المقطوع حال دون تنفيذ ذلك فقد كان قانون القبيلة يمنع تقديم القرابين المصابة بالامراض او التشوهات فأطلقوا سراحه وعاد لمملكته.  فكر الملك بعد عودته في اصبعه المقطوع الذي كان سبب نجاته وأمر بالافراج عن الوزير وقال له:  لقد كنت محقاً حينما حمدت الله على ما اصابني من ضر ولكني لم أتوقع ان تبقى علي اصرارك حتى حينما اودعتك السجن فقال الوزير: لو لم أكن في السجن ذلك اليوم لاصطحبتني معك ولكنت القربان بدلاً منك.  ومغزى القصة ان بعض المحن وان بدا ظاهرها سيئاً قد تتحول لاسباب للخير والعكس صحيح

معظمنا وفي غمرة تفكيره في المستقبل وكيفية عيشه وتأمينه ينسى ان يعيش يومه ويستمتع بحاضره.  حينما قلت للبعض انني تركت عملي لأني لم أكن اشعر بالسعادة والرضا كان الرد:  ومن منا سعيد في عمله، في النهاية عملك هو مايؤمن لك رزقك وحياتك وليس مطلوباً منك ان تحبيه بل ان تؤديه كما يفعل معظم الناس

لن أنكر انني فكرت كثيراً في كلامهم ولكن السلام الداخلي الذي أعيشه مع نفسي والمحيطين بي منذ ان تركت عملي لم يترك لي مجال للشك بصحة قراري

طوال الايام التي مضت كنت ابحث عن اجابة لهذا السؤال .. لماذا نعمل؟ وايهما أهم المال ام السعادة والرضا الوظيفي؟  واذا لم نستطع الموازنة بين الاثنين وكان علينا ان نختار فلمن سترجح الكفة؟ لم أتوصل لإجابة تصلح للجميع لأن حساب الارباح والخسائر يختلف من شخص لآخر تبعاً لاولوياته وظروف حياته وانا أخترت ان أربح حريتي وراحتى النفسية.  اجريت العديد من الاختبارات على الانترنت، قرأت الكثير من القصص والتجارب وكان أفضلها هذا الموقع الذي يستعرض فيه صاحبه تجربته الشخصية ويشارك زوار الموقع من خلال فيديو قام بإعداده المعايير التي يمكن ان نستند عليها لإتخاذ قرار ترك العمل والتي تعد في وجهة نظرى من أكثر المعايير واقعية واتزاناً

استطيع ان اقول الآن انني لست نادمة اطلاقاً على قراري بل ان لدي شعور أقرب إلى اليقين ان الغيوم السوداء ستنقشع قريباً من سماءي وسيبزغ فجر يوم جديد سيكون أجمل بكثير من الامس

Share

متاهة

Posted on 2009 08, 14 by Suad

يزعجها ان تستذكر خيبة الطرق المسدودة التي انتهت اليها، المخارج الكثيرة التي لم تفطن اليها، الجدران التي استعبدتها فصدقت انها تحبها وتحنو عليها، يزعجها خوفها وتوجسها خيفة كلما منحتها الحياة فرصة الفرار من متاهتها

يزعجها ارتيابها حينما تبدو التفاصيل (عن قرب) افضل وأجمل مما ينبغي، يزعجها ان تتحول الاسئلة إلى فرشاة ترسم حياتها بعشوائية لاتملك التحكم فيها .. عدم التصالح مع احساسها.. كيف يمكن ان يسكن الصمت والهدوء داخل روح لاتهدأ؟

يزعجها ان تحيك قصصهم بمهارة وتفشل في كتابة أول فصل من فصول قصتها

يزعجها ان تتحول متاهتها إلى حرية يتنفسها عقلها و يرفض قلبها التخلي عن اسوارها

Share

« Older EntriesNewer Entries »