بحفل توزيع جوائز الإبداع العربي أختتم مؤتمرفكر6 أعماله يوم الاثنين الماضي. وقد شمل التكريم كل من الشيخة هيا بنت راشد آل خليفة عن الابداع الاجتماعي، الفنان نصير شمة عن الابداع الفني، صحيفة “إيلاف” الإلكترونية ممثلة بعثمان العمير عن الابداع الاعلامي، جابر عصفور عن الابداع الأدبي، برنامج التمكين الاقتصادي للأسرة الفلسطينية عن الابداع الاقتصادي، ليلى زكريا عبدالرحمن عن الإبداع العلمي ومازن مشهور عن الإبداع التقني. وقد أعلن الفنان نصير شمة خلال الحفل بإن مبلغ الجائزة هي أكبر مبلغ مالي تحصل عليه وعن نيته بالتبرع بنصف قيمة الجائزة لمعهد للأعمال الخيرية.
أنتهى المؤتمر وخرجت بحصيلة من الافكار والمعلومات من خلال ورش العمل والجلسات التي كانت في المجمل هادفة ومميزة اثراها التفاعل المتواصل بين الحضور والمشاركين أثناء الجلسات وبعدها. أستمتعت كثيرا بالجو العام الذي ساده الود والتفاؤل وأستمتعت أكثر بالنقاشات واللقاءات التي جمعتني بنخبة من المثقفين والمفكرين العرب من المغرب ومصر وفلسطين والسودان والذين لم اكن لألتقيهم لولا هذا المؤتمر.
هناك بعض الملامح والاهداف المشتركة التي أتضحت رؤيتها أكثر بانتهاء اعمال المؤتمر أهمها ان التعليم هو القاعدة الاساسية لتطوير جميع المحاور الأخرى وان الارتقاء في مجال التقنية، الاستثمار، الاعلام، الطاقة والمسئولية الاجتماعية لن يتحقق مالم تكن هناك متابعة مستمرة لتطوير التعليم في بلداننا العربية. واذكر انه في أحد الجلسات التي تناولت شبكات التواصل الاجتماعي والذي شارك فيها ممثلين من أكبر المؤسسات العالمية في تقنية المعلومات ذكر أحد ممثلي هذه المؤسسات ان المؤسسات التعليمية في بعض الدول الاوروبية تتدارس حاليا أدخال التقنيات الحديثة في برامج التعليم لان طالب اليوم يعود الى منزله بعد انتهاء ساعات الدراسة ليتصفح الويب والفيس بوك والعاب الفيديو مما أفقده الاهتمام بالتعليم الذي لازال يتبع طرق نمطية وقديمة لاتتناسب والثورة التقنية التي يعيشها شباب هذا العصر.
بالنسبة للاستراتيجية العربية في عصر العولمة كان هناك انشقاق بين صفوف الحاضرين فالبعض كان يؤكد على ضرورة وجود استراتيجية عربية موحدة بينما رأى البعض الآخر بإن تباين التطور والنمو السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي بين الدول العربية يجعل من توحيد الاستراتيجية مهمة صعبة. أحد المشاركين أقترح التأني في الخطوات العربية وتدارس الأمر جيدا لان الانطلاق لا يمكن ان يتم من خلال قفزة سريعة وانما من خلال خطوات متأنية ويبدو ان هذا الرأي قد نال استحسان غالبية الجمهور.
كما طرح أحد الحاضرين موضوع هام هو عولمة التسامح الديني على أساس انها مايعيق تقدم العرب بسبب ما يتناقله العالم بأنهم طرف رئيسي في عملية الارهاب.
ومن أفضل الحوارات التي تناولها المؤتمر هو الإعلام العربي من خلال جلسة الإعلام والأعمال الذي أدارته بتمكن نعمة أبو وردة مقدمة البرنامج المالي الاسبوعي في القناة البريطانية واللقاء المفتوح الذي سبق حفل توزيع جائزة الابداع العربي وقد شاطر الحضور المشاركين رأيهم بإن الاعلام العربي الحالي لايقوم بدوره الفاعل لأسباب عديدة أحدها ان القنوات الاعلامية والتلفزيونية الحالية مملوكة من قبل افراد لايعبرون عن صوت المواطن كما ان بعض الاعلاميين العرب لا يتمتعون بالقدرة على التحليل وتجاوز صراع الحضارات. وأكد البعض على ضرورة وجود اعلام كفء قادر على مخاطبة الإعلام الغربي وأحتواء العولمة.
الجملة التي أعجبتني والتي توقفت عندها هي لأحد المثقفين العرب الذي قال بإن العولمة ليست خطرا او شرا مستطيرا نتخوف منه وبإن عيشنا بمنأى عنها يضعف من موقفنا ويعيق من تقدمنا ويقودنا لإنقراض مشابه لإنقراض الديناصورات التي اندثرت بسبب عدم قدرتها على التعايش مع بيئتها.
مقتطفات من الحوار
شهد اليوم الأخير من مؤتمر الفكر العربي فكر6 أكثر الجلسات إثارة للجدل من حيث القضايا التي تم تناولها والشخصيات التي شاركت في اللقاءات سواء تلك التي تم القاء الضوء عليها أو التي قامت بإدارة دفة الحوار.
وقد كان اللقاء الذي أجراه الاعلامي تركي الدخيل مع سمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، ولي عهد البحرين من أكثر اللقاءات التي شهدت حضورا مكثفا وكعادته كان الدخيل جريئاً في مداخلاته ملماً بمحاور اللقاء الذي تناول عدة قضايا تتعلق بالاصلاح السياسي، التنمية الاقتصادية، البطالة والتعليم والعملة الخليجية الموحدة.
تساءل الدخيل في البداية عن كيفية مواجهة حكومة البحرين لمشكلة البطالة وتوفير مائة ألف فرصة عمل سيحتاجها الشباب البحريني في المستقبل فأجاب سموه بأن المشكلة هو نوع الوظائف فأقتصاد البحرين يخلق ما يقارب العشرين ألف فرصة عمل سنويا الا ان عدد البحرينيين الذي يلتحقون بهذه الفرص يبلغ الثمانية الآف وان التحدي هو في رفع مستوى الوظائف وأوجز الحل في رفع مستوى انتاجية الفرد.
اما بالنسبة للتعليم فقد أوضح بإن البرنامج الاصلاحي لن يمس المناهج ولكنه سيركز على تطوير المعلمين وان هناك تغيير جذري سيشمل كلية المعلمين من ناحية نوعية التلاميذ وتأهيلهم بواسطة أحدث الاساليب التكنولوجية كما سيتم زيادة ساعات العمل التطبيقية. كما أشار الى انشاء هيئة لنظام الجودة تختص بمراقبة مخرجات التعليم وانشاء كلية تقنية تختص بالمهن الحرفية.
التساؤل الآخر الذي طرحه الدخيل كان عن الاتكالية وترّفع البحريني عن ممارسة بعض المهن، فأجاب سموه بأن البحريني اليوم يعمل في محطات الوقود والمصانع وفي مجالات أخرى عديدة الا ان سوء بيئة العمل احيانا وعدم وجود ضوابط هو ما يؤثر سلبا على انتاجية المواطن.
تطرق الحديث كذلك الى قانون فرض رسوم على استقطاب العمالة الاجنبية والذي تم تأجيله حتى منتصف العام المقبل وتساءل الدخيل عن مدى تأثير هذا القانون على هروب الاستثمارات الى دول أخرى مجاورة وكان رد سموه بأن التكلفة المعيشية في البحرين لازالت أقل من غيرها في دول الخليج العربي الأخرى لذلك فإن ارتفعت الرسوم فذلك لن يؤثر سلبا على استقطاب الاستثمار وأضاف ان العمالة الرخيصة تضر بالبلد والمواطن وانه حينما يتم انصاف العامل البحريني برفع تكلفة العامل الاجنبي لتتساوى مع كلفة العامل المواطن فحينها تكون الكفاءة هي المقياس وحينها ايضا يمكن للحكومة ان تتنازل عن الزامها للشركات بتوظيف المواطنين.
وعن عملية الاصلاح قال بان الحكومة ستتخلى في المرحلة المقبلة عن هيمنتها على الجوانب الاقتصادية للقطاع الخاص لتتفرغ لمجالات القضاء والعدالة والأمن والدفاع اما بالنسبة لتطبيق العملة الخليجية الموحدة فأستبعد ذلك حاليا بسبب عدم شفافية الدول الاعضاء في الكشف عن ميزانياتها وحجم العجز فيها مما يصعب عملية ضبط حجم المخاطرة وبالتالي توحيد العملة.
تساؤلات
هناك جوانب مبشرة وايجابية في حديث سمو ولى العهد بالنسبة لرفع مستوى التعليم في البحرين الا ان هناك ايضا بعض الجوانب المبهمة التي تدعو للقلق والتخوف فتحويل عملية صنع القرار الى القطاع الخاص لا تتوفر لها البيئة ولاالعوامل التي تساعد على نجاحها فهناك ضعف في الرقابة والانظمة القانونية وهناك عجز في الإدارة ولعل أقرب مثال على ذلك ما حدث بعد تحويل قطاع النظافة في البلديات الى القطاع الخاص. ماذا عن البطالة وعن المواطن المحدود الدخل وهل سُيترك المواطن البحريني بين المطرقة والسندان؟
ربما أخطا الدخيل في تصوره لاسباب رفض البحريني لممارسة بعض المهن فكما ذكر سمو ولي العهد فالسبب يرجع أحيانا الى بيئة العمل الغير مشجعة وغياب الضوابط. ولكن السبب الرئيسي في رأيي هو ضعف اجور هذه المهن والدليل على ذلك ان البحريني مارس مهن كثيرة متدنية لايقبل ممارستها معظم مواطني دول مجلس التعاون. هذه المهن لا يشغلها المؤهلين من البحرينيين أنما خريجي الثانوية العامة فما دون ذلك ممن يعانون علاوة على مشقة مهنهم تدني أجورها التي لاتسد الرمق.
في الوقت ذاته أتفق مع الدخيل من حيث تخوفه من القانون الجديد الذي سيفرض رسوم مرتفعة على العمالة الاجنبية ليس لأنني لا أشجع العمالة الوطنية ولكن لأن الشعب البحريني هو من سيسدد الفاتورة. فالاسكان والغلاء هما الهم الشاغل للناس حاليا وقطاع الانشاءات والمقاولات يعتبر من اكثر القطاعات اعتمادا على العمالة الاجنبية، وبعد ان شهدنا أرتفاع كلفة المواد الانشائية سترتفع ايضا كلفة الانشاء.
ثم ماذا لو فضّل رب العمل توظيف الاجنبي حتى بعد رفع راتبه لمستوى راتب المواطن والدوافع كثيرة فالاستغناء عن خدمات العامل الأجنبي أسهل من الاستغناء عن خدمات البحريني كما ان العامل الاجنبي والاسيوي بشكل خاص يقبل القيام بأكثر من وظيفة تحت مسمى وظيفى واحد. ماذا سنستفيد من هذا القرار لو حدث هذا وماذا سيحل ببعض الصناعات الوطنية التي لازالت في مهدها؟
اما بالنسبة لانخفاض التكلفة المعيشية في البحرين مقارنة بالدول الخليجية الأخرى فهي مسألة وقت لا أكثر خصوصا مع ارتفاع اسعار العقارات والسلع فلن نكون الأرخص لفترة طويلة.
بالنسبة للعملة الخليجية الموحدة وانعدام الشفافية لدى دول مجلس التعاون فلن أعلق على هذا الموضوع لأن أهل مكة أدرى بشعابها.