حينما اجتمعت القلوب على حب فلسطين
لم تكن أمسية جورج غالاوي ولا أمسية لإحياء ذكرى وطن يأن تحت وطأة الاحتلال .. ليلة أمس كانت ليلة أجتمعت فيها القلوب على حب فلسطين .. جهد فريق متكامل من التنظيم للتنسيق للحضور الذي تفاعل بحماس وعواطف جياشة تجاه أخوانه في فلسطين فلم يألو جهدا في تقديم ما يستطيع من أجل انجاح هذه الامسية. ليلة أمس لمست ألفة لا حدود لها بين أفراد فريق عمل واحد بعضهم لا يعرف البعض الآخر وربما ألتقاه للمرة الأولى ومع ذلك كان هناك ذلك التجانس المذهل بين الجميع.
ومن بلاط صاحبة الجلالة الصحافة للترجمة للتقديم للشباب الذين أصطفوا عند البوابة الرئيسية لاستقبال ومساعدة المدعوين للوصول الى مقاعدهم للفتيات والفتيان المتطوعين في جمعية مناصرة فلسطين للفنانين البحرينيين الذي قدموا أعمالهم لبيعها في المزاد الخيري، للحضور الذي تبرع بسخاء بالآف الدنانير لدعم القضية الفلسطينية، لأناس كثيرين تجشموا عناء السفر من العاصمة البريطانية للبحرين لا لشئ سوى للمشاركة في هذا العشاء الخيري لأجل فلسطين. كل هؤلاء أثلجوا صدري .. كل هؤلاء جعلوني أشعر بإن الأنسانية ما زالت بألف خير وبإني أخطأت، أخطأت كثيرا حينما تخيلت ان القلة القليلة من البحرينيين الذين تخلوا عن القضية الفلسطينية يمثلون كل الشعب البحريني.
ليلة أمس أختلطت كلمات جورج غالاوي بدموع الحاضرين .. بصوت فيروز وهي تشدو بصوتها الملائكي لأجلك يا مدينة الصلاة أصلي .. بالكوفية الفلسطينية التي كانت تزين أعناق الحاضرين من العرب والاجانب. ليلة أمس بكيت فرحا وبكيت تأثرا .. ليلة أمس قلت لجورج غالاوي وانا ألبسه الكوفية الفلسطينية بإن لي الشرف أن ألتقى بأنسان يتحلى بكل هذه الشجاعة وبكل هذا الاصرار وبأن كلماته لامست وجداننا وأثبتت ان قلوبنا ما زالت تنبض بحب فلسطين وبأن مشاعرنا وضمائرنا لم تحتضر بعد.
ليلة أمس أسرني ذلك الحزن والتأثر البادي على وجوه الحضور خصوصا اولئك الذين كانوا يستعينون بإجهزة الترجمة ولا عجب فالترجمة كانت صادرة من أحمد الترك .. فلسطيني آخر يقيم في العاصمة البريطانية وأذكر أني قلت لأحمد الذي ألتقيته في اللحظات الأخيرة قبل ان اغادر فندق الكراون بلازا ان ترجمته نقلت لنا أحساسه وليس صوته فقط لدرجة أننا شعرنا للحظات بصوته المتحشرج خلف الميكروفون وهو يردد خلف جورج حديثه حول مآسي غزة وجنين.
ليلة أمس كانت ليلة رائعة بكل معنى الكلمة كان حصيلتها ان جمعية مناصرة فلسطين تمكنت من جمع أكثر من مائة وأربعون ألف دينار بين مدخول تذاكر الدخول والمزاد الخيري عدا التبرعات النقدية التي قدمها الحاضرون في نهاية الحفل ستخصص بالكامل لشراء أجهزة طبية للمستشفيات الفلسطينية. وقد تميزت الاعمال الفنية البحرينية التي تبرعت بها جمعية البحرين للفنون التشكيلية بأسم عباس الموسوي، وعمر راشد ونائلة الوعري وبلقيس فخرو وغيرهم فبيعت لوحتان منها بستة الآف دينار للوحة كان أحداها للفنانة هائلة الوعري واللوحة تمثل المسجد الاقصى، اما ريع المزاد الأكبر فقد جاء من نسخة موقعة بخط جورج غالاوي من كتابه عن فيدل كاسترو بُيع بمبلغ عشرة الآف دينار.
وهذه بعض المقتطفات التي انتقيتها من كلمة جورج غالاوي في العشاء الخيري الذي نظمته جمعية مناصرة فلسطين والتي قمت بترجمتها للغة العربية:
” لقد اتيت مباشرة من البرلمان البريطاني، المكان الذي انبثقت منه العديد من الجرائم ضد العرب وحول العالم والمكان الذي كان في مرحلة ما قلب ومصدر المشاريع الاجرامية واتمنى ان لا يكون السفير البريطاني حاضرا معنا هذا المساء ليسمع هذا!”.
” انها لجريمة فريدة من نوعها حتى في أوج قوة الامبراطورية البريطانية لأنها كانت المرة الوحيدة التي يعطي فيها شخصا نيابة عن شعب وعدا لشعب آخر نيابة عن شعب ثان بمنح أرض يملكها شعب ثالث. لقد تم مسح فلسطين من الخريطة بينما يتردد في كل مناسبة بإن الرئيس الإيراني يهدد بمسح اسرائيل من الخريطة وفي الحقيقة انه لم يفعل ذلك كما يردد البروفيسورات في طوكيو وتل أبيب لان ايران ليس لديها القدرة على مسح اسرائيل من الخريطة ولكن اسرائيل لديها القدرة على فعل ذلك والدولة الوحيدة التي مسحت من على الخريطة حتى الآن هي دولة فلسطين”.
“حتى الآن واذا كان أحدكم يستمع لبرنامجي الاذاعي على الانترنت في الساعة العاشرة بتوقيت لندن مساء كل جمعة وسبت فإن هناك من الصهاينة ممن يتصلون بي اثناء الحلقة للمجادلة بإنه لم يكن هناك من مكان أو بلد أسمه فلسطين على الرغم من ان في بيوت البرلمان البريطاني هناك لوحة معلقة لرجل يسمى نفسه ريتشارد ديلان هوارد من الحروب الصليبية في العام 1189 لاسترداد القدس وعلى اللوحة كتب عنوان غادر ريتشارد ديلان هوارد في حملة الحروب الصليبية على فلسطين ومع ذلك ما زال الصهاينة ينكرون ويروجون لدعاياتهم واكاذيبهم بانه لم يكن لدولة فلسطين كيان او وجود”.
“في مدينة سكوتلندية صغيرة يبلغ عدد سكانها 180 الفا حيث لم ألتق في حياتي بعربي أو مسلم قابلت ذلك الشاب. كنت حينها في الحادية والعشرون من العمر، ناشطا سياسيا في الحزب العمالي. كنت وحيدا في المكتب ومنشغلا حينما رن جرس الباب فلم أجيب واسترسلت في عملي ولكن حينما ألح الطارق فتحت الباب لأجده واقفا هناك. طالب عربي يافع بدا شبيها بالممثل عمر الشريف فكل العرب في نظري حينها كانوا يشبهون عمر الشريف وقد طلب مني التحدث للقادة في الحزب عن فلسطين فقلت له ان بإمكانه ان يخبرني بما يريد وبدوري سأوصل لهم رسالته. ولمدة تزيد عن ساعتين حدثني الشاب عن الجرائم التي أُرتكبت بحق الشعب الفلسطيني وعن معاناتهم، كان ذلك في العام 1975 وبإنتهاء الساعتين كنت قد أنضممت لحركة المقاومة الوطنية الفلسطينية التي ما زلت عضوا فيها حتى هذه اللحظة، ثم زرت بعدها لبنان حيث يعيش أكثر من مائة ألف فلسطيني لاجئ في المخيمات. كنت في الحادية والعشرين من عمري ولكني في تلك السن الصغيرة قابلت قادة كبار مثل ياسر عرفات ثم قابلت ابو جهاد وابو اياد وجورج حبش وغيرهم. أصبحت بعدها مهتما أكثر بالقضية الفلسطينية لدرجة انني عشت أحدى عشر شهرا في منطقة الفاكهاني بعد رحيل أصحابي الذين مكثوا هناك لمدة أسبوعين فقط”.
“حينما أصبحت ناشطا منتظما لحزب العمال في سكوتلندا قطعت على نفسي عهدا بأنني سأهب حياتي السياسية للقضية الفلسطينية، وحاولت ومازلت أحاول بكل ما أوتيت من قوة لأنه بالنسبة لي لم يعد الموضوع مجرد سياسة بل مسألة شخصية. حينما اسمع في نشرات الاخبار بأن قواعد ارهابية تم قصفها في بيروت اعرف جيدا انه ليست هناك اية قواعد ارهابية وان ما تم قصفه هو مخيمات لاجئين يعيش فيها عائلات بأكملها .. مخيمات تلهبها حرارة شمس الصيف وتجمد اطراف قاطنيها برد الشتاء. هؤلاء اللاجئين بقوا رغم كل الظروف الصعبة محافظين على هويتهم فحينما كنت اسأل الاطفال الصغار من اين اتيتم لم يكن يجيبوني بإنهم من صبرا او شاتيلا او عين الحلوة. كانوا يقولون لي بأنهم من حيفا أو يافا أو القدس على الرغم من أنهم لم يروا هذه المناطق في حياتهم بل ان بعض ابائهم لم يروها ايضا. بعضهم كان يحمل سلسلة مفاتيح لأبواب بيت العائلة .. اراضيهم التي أتوا منها ومازالوا مصممين على العودة إليها”.
“جميع الاتفاقيات بما في ذلك اتفاقيات أوسلو مهدت الطريق لبناء المزيد من المستوطنات الاسرائيلية، قطعوا مئات الالاف من اشجار الزيتون لافساح الطريق لبناء هذه المستوطنات. فرص العيش للفلسطينيين تقل يوما بعد يوما بعد ان اصبح 80% منهم عاطلون عن العمل ويعتمدون على المساعدات الدولية”.
“جنين قصة فريدة اخرى وذلك لأن جنين مخيم صغير يعيش فيه 15 الف عائلة ولكن الشئ المميز في هذا المخيم هو ان العائلات التي تعيش فيه يمكنهم اذا وقفوا على السطح ان يروا حيفا المطلة على البحر، هذه كانت مدينتهم فهم أتوا من هناك وعلى مدى خمسون أوستون عاما عاش الكثير منهم على مقربة من منازلهم، بامكانهم ان يروا الاشجار التي تطل من بيوتهم التي يعيش فيها الآن اجانب من بروكلين و لندن وباريس بينما هم اصحاب البيوت والأرض يعيشون هذه الحياة البائسة”.
“الحال يرثى له في غزة، بعض الفلسطينييون يعيشون على بقايا ومخلفات النفايات، هذا ما قد لا ترونه على شاشات التلفزيون ولكنني رأيته بأم عيني. تخيلوا ونحن في القرن الواحد والعشرين .. شعب عربي مسلم يأكل من القمامة لانه لا يتوفر له حتى الخبز ليبقى على قيد الحياة. وإذا كان 80% من الفلسطينيين يعيشون على المساعدات الدولية فان الفلسطينيين في غزة يعتمدون 100% على هذه المساعدات التي تقل يوما بعد يوم لان اسرائيل تحاول منع عبور هذه المساعدات إليهم على أمل ان تجوعهم حتى الموت، التجويع السياسي على الأقل لكي يستسلموا ولكن كما قلت لكم في البداية فان الشعب الفلسطيني لن يستسلم فقد قدم ومازال يقدم الكثير من التضحيات والشهداء”.
“في الأسابيع الأخيرة خسر الشعب الفلسطيني 120 فلسطينيا، وفي غضون أربعة أيام 37 فلسطينيا سبعة منهم أطفال رضع وكل ذلك في أقل من شهرين. المجتمع الدولي لم يقل او يفعل شئ لايقاف هذا! اين كان السيد بلير مبعوث السلام حينما أحتجناه؟ لم نر وجهه حينما كان الوزير الاسرائيلي يتوعد بمحرقة فلسطينية. وبعد اسبوع واحد ولان ثمانية طلاب من الاسرائيليين قُتلوا أنبرى رئيس الوزراء البريطاني ليعلن عن تضامننا وتعازينا لاسرائيل على خسارتهم. كيف يكون موت ثمانية اسرائيليين أهم من موت 37فلسطينيا خلال اربعة ايام وهناك اجابة واحدة لكل ذلك .. ان الدم الاسرائيلي أغلى من الدم الفلسطيني!”.
“في الصيف الماضي وفي لقاء مع سكاي نيوز تجدونه على اليوتيوب أكتشفت ان مذيعة السكاي نيوز تعرف أسم وعنوان والحالة العائلية لكل جندي اسرائيلي أسير في لبنان او غزة ولكن حينما سألتها ان تسمى لي ضحية فلسطينية واحدة بما في ذلك الفتاة الفلسطينية الصغيرة التي كانت تبكي على شاطئ غزة وهي ترى اشلاء افراد عائلتها حولها فلم يكن لديها اجابة ولم تستطع ان تسمي لي فردا واحدا من افراد تلك العائلة!”.