أمنية
مفارقة غريبة أن أنشر الآن مقال احتفظت به لأشهر عديدة إذ لم يدر بخلدي أن تدور الأيام وتتعرض مدونة محمود اليوسف لقمع من نوع جديد وأنني قد أنشر هذا المقال في يوم من الأيام.
فمعرفتي بمحمود بدأت أثناء حجب مدونته في أكتوبر الماضي، يومها لم أكن قد بدأت تجربة التدوين بعد ولم يكن بوسعي القيام بالشئ الكثير. وكان أضعف الإيمان أنني قمت بكتابة هذا المقال القصير واتصلت بالصحافي عادل مرزوق لينشره لي في صحيفة الوسط. لحسن الحظ في اليوم التالي تم رفع الحظر عن المدونة وانتفت الحاجة لنشر المقال.
اليوم وبعد انضمامي إلى عالم التدوين .. بعد أن التقيت بمحمود اليوسف شخصيا .. بعد تشجيعه لي ولجميع المدونين الجدد .. بعد أن شعرت بمدى ما تتركه الكلمة من أثر .. من حافز ومن قوة، أتمنى أن ينضم المزيد من البحرينيين لهذه التجربة وأن يقف الجميع صفا واحدا أمام معتقلوا الرأي أيا كانت مواقعهم وسلطتهم، فالقضية ليست قضية اليوسف وحده وإنما قضيتنا جميعا.
أمنيتي كما رسمها الفنان الإيراني إيمان مالكي صاحب اللوحة المنشورة هنا إن يحل اليوم الذي ترى فيه الكلمة النور، النور الذي حجبته جدران القمع والوصاية ضد حرية الرأي والتعبير.
تعرفت الى عرين محمود عندما كنت ابحث في فضاء الإنترنت عن بعض المعلومات عن البحرين. في مدونة محمود وجدت الكثير من الأفكار الملهمة والانتقادات البناءة والتي لا يمكن أن تصدر إلا عن مواطن محب لهذا البلد. ومن خلال مدونته تعرفت على مواقع عشرات المدونين البحرينيين سواء عن طريق الروابط المتصلة بموقعه أو عن طريق التعليقات التي يرسلها المدونون حول موضوعاته. مدونة محمود اليوسف بالنسبة لي كوب من القهوة واستراحة ممتعة لنهاية يوم طويل اقضيها متنقلة بين البلوغات البحرينية وأبدأها بمدونة الأب الروحي للبلوغات محمود اليوسف.
يقول الروائي العربي الطيب صالح ” الناقد الكبير لابد أن يكون محبا كبيرا”. وأنا أقول أن من ينتقد بأسلوب اليوسف الحضاري البعيد كل البعد عن التعصب ومن يبتكر فكرة مثل فكرته “لا شيعي ولا سني .. بس بحريني” للقضاء على الطائفية ونبذ التعصب المذهبي والتقريب بين أبناء شعب واحد أتعبته الفتن والطائفية، ومن يعطي من وقته وجهده ليؤسس موقعا لهذه الحملة ويجمع لها التبرعات .. ومن يجروء على تعليق شارة “لاشيعي ولا سني بس بحريني ” على بشت سمو ولي العهد ويلقى كل هذا الترحيب والصدى الإيجابي من لدن سموه ومن الناس والصحافة لحملته على الطائفية لا يمكن أن يريد بهذا البلد شرا، ولا يمكن أن يكون إلا عاشقا كبيرا مندفعا ومتحمسا، فمحمود اليوسف لم يستتر خلف موقع أو اسم مستعار وربما لو فعل لكان بمنأى عن كل هذه المتاعب التي تحيط به الآن.
لقد خذلتم محمود اليوسف وخذلتم آلاف البحرينيين الذين يتطلعون لوطن معاصر لا ينتحل صفة التحضر والديموقراطية ، لقد أحبطتم همم العديد من المدونين البحرينيين الذين ساهموا من خلال مدوناتهم في خلق صورة مشرقة ومشرفة للبحرين وللبحرينيين .. صورة تتسم بالطموح والثقافة والاعتداد بالنفس.
تستطيع الدول والحكومات بناء المطارات والجسور الحديدية ولكنها حتما لا تستطيع بناء جسور الروح والوجدان فالإنترنت يزداد حضورا في حياة الناس ويتجاوز فرضية انه مصدر تسلية وترفيه ، أو وسيلة إعلام وأخبار. ولست أبالغ حينما أقول إن الفائدة التي نجنيها من انتشار مدونة اليوسف لا تقل أهمية عن الفوائد التي نجنيها من مشاريع مثل سباق الفورمولا 1. فبفضل التواصل بين اليوسف وآلاف الزائرين لموقعه يوميا صار موقع البحرين على الخريطة الجغرافية أكثر وضوحا ، لم يعد العالم يرانا على إننا بلد نفطي فقط أو منطقة مجهولة من الشرق الأوسط أو الشرق الأوسط الجديد.
قد اتفق في الرأي مع اليوسف في طرحه لبعض آراءه وقد لا اتفق مع بعضها الآخر ولكنني في النهاية أؤمن بأن حرية الرأي حق كفله القانون للجميع طالما لا يمس ذلك أسس العقيدة الإسلامية ووحدة الشعب وبما لا يثير الفرقة أو الطائفية طبقا للمادة 23 من دستور المملكة.
ما نحن عليه اليوم ليس إلا امتحان ، امتحان صعب لمدى نضوج تجربة الديموقراطية .. فالجميع يتطلع للفصل الأخير من حكاية مدونة اليوسف .. وجل رجائي ألا تجعلوا من هذا الفصل فرصة لشماتة الحاقدين أو فصلا هزليا آخر يضعنا في عداد المتخلفين.