اليوم ماجد أصغر علي وبالأمس علي جاسم مكي.
وكل ما يعني البعض هو اختلاق الذرائع وتوزيع الاتهامات .. اما بالنسبة لهم فلم يعد مهما من يدين من ومن يلصق التهمة بمن .. لم يعد مهما ان يشحذ بعضهم الهمم لإثبات ان كان الضحية خائن أم شهيد آخر من شهداء الوطن.
فهؤلاء من فقدوا ابنائهم بين ليلة وضحاها بسبب ذنب لم يقترفوه ولم يقترفه صغارهم هم من أصبحوا ثكلى وأرامل ويتامى .. هؤلاء من سيحتفظون بسرادق العزاء في ذاكرتهم لا لثلاثة أيام ولا لأسبوع بل الدهر كله .. هؤلاء هم من يدفعون ثمن جرائمكم .. طائفيتكم واحقادكم .. طائفية عنصرية تفرق حتى في الموت بين نفس ونفس وفقا لجنسيتها وعقيدتها!
كل الاطفال في نظري عصافير .. وفاطمة عصفورة لم تتجاوز التاسعة من العمر، زارتنا قبل ايام برفقة والديها وأخوتها وهي تجر خلفها غطاء طويل للرأس يكاد يصل الى أخمص قدميها .. ظننت انها تريد ان تسابق الزمن لتكبر فهكذا يفعل معظم الاطفال في عمرها .. ظننت ان والديها أجبراها على ارتدائه .. ظننت اشياء كثيرة ولكن لم يكن اي من ظنوني هو السبب الحقيقي.
عرفت ذلك من تعابير وجه فاطمة التي تغيرت في لحظة منذ ان بدأ الحديث يدور حول غطاء رأسها .. من احتقان عينيها بالدموع .. من اخفاءها لوجهها بوسادة المقعد الذي كانت تجلس عليه .. من تواريها بعد لحظات عن المكان. وتيقنت حينما سردت على والدتها قصتها مع المعلمة .. معلمة الفصل التي أستمرت طيلة العام الماضي في تأنيب فاطمة والسخرية منها على مرأى ومسمع جميع زميلاتها في الفصل لانها لا ترتدي الحجاب. ففاطمة حالة شبه شاذة في مدرستها التي يندر ان تجد فيها تلميذة لا ترتدي غطاء للرأس.
المربية الفاضلة، مربية الاجيال والتي يفصل بينها وبين فاطمة عشرات السنوات الضوئية لم تجد حرج في النزول بمستواها الفكري والعقلي لمستوى طفلة في الثامنة لتشن عليها نوع من الحرب النفسية، تارة بتبويخها وتلقينها دروس في مبادئ الاسلام والاخلاق الحميدة التي لم تتعلم هي أي شئ منها وتارة أخرى في مناصبتها العداء وانتهاز أي فرصة سانحة لاسقاط عقدها النفسية عليها لأنها لم تمتثل لأوامرها وترتدي الحجاب.
والنتيجة ان فاطمة بدأت ترزح تحت مجموعة من الضغوط النفسية، اضطهاد المعلمة لها من جهة وسخرية التلميذات منها من جهة أخرى الأمر الذي حوّل مشوارها المدرسي إلى رحلة جحيم يومية وفي الوقت ذاته جعلها تختزل مشاعر ضغينة مكبوته تجاه معلمتها التي لم تحترم آدميتها. ماذا يمكن لطفلة في عمرها ان تفعل لمواجهة هذه المعلمة وكيف تنّفس عن مشاعرها المكبوته بالقهر والاضطهاد؟؟ فكرت ان الاوراق البيضاء قد تكون أقدر على فهمها .. على احتوائها واستيعاب مشاعرها التي لم تبح بها لأحد .. كتبت فاطمة رسالة الى نفسها تشكو ظلم معلمتها الـ .. ولسوء الحظ ان الرسالة وقعت بيد المعلمة التي قرأت ما سطرته فاطمة من كراهية نحوها.
هل جعلت الرسالة معلمة فاطمة تستدرك فداحة خطأها؟ بالطبع لا .. فعقل بمثل هذه الضآلة والضحالة لا يمكن له الا ان يفكر بالاساليب التقليدية والقديمة في التعليم .. اساليب العقاب التي درجنا عليها منذ قرون.
كان ذلك في العام الماضي واليوم ترفض فاطمة الذهاب الى المدرسة دون غطاء الرأس بل انها قد تبكي لو ان أحدا منهم طلب منها ان تنزعه عنها. ليس ايمانا ولا حبا في ارتدائه ففاطمة ما زالت صغيرة جدا على استيعاب مثل هذه الأمور .. انها ترتديه خوفا من اساليب القمع التي تُمارس عليها في مدرسة حكومية في بلد ينادي بالديموقراطية، ووالديها التزما بالصمت لانهما لا يستطيعان نقلها الى مدرسة حكومية أخرى لأن القانون في البحرين يجبر التلميذ او الطالب على الالتحاق بمدرسة المنطقة التي يقطن فيها، ولا يستطيعان الحاقها بمدرسة خاصة لضيق ذات اليد، ولا يستطيعان الشكوى لوزارة التربية والتعليم خوفا من تعرض فاطمة للمزيد من المضايقات التي قد تؤثر سلبا على تحصيلها الدراسي.
حقيقة لم أكن أصدق ان قصص كهذه ما زالت موجودة في مدارسنا .. لست ضد الحجاب ولا المحجبات ولكني ضد القيم التي تُغرس قسرا .. القيّم الانسانية والاخلاقية ليست زي وطني نرتديه ولا غطاء للرأس نتباهى به كما تصور ذلك العديد من اللافتات ذات العناوين والمضامين الساذجة التي أنتشرت في شوارعنا في الآونة الأخيرة .. القيم الاخلاقية والقناعات الشخصية لا تُلقن بل يكتسبها المرء من محيطه .. من مجتمعه .. من ما يراه من ممارسات .. من أحترام حقوقه كأنسان في أختيار ما يؤمن به من قناعات.
ماذا يمكن ان يُغري في جسد أو شعر طفلة في السابعة أو العاشرة؟؟ من يقول ان هناك ذئاب بشرية تفترس مثل هذه العصافير عليه ان يدرك ان هؤلاء شواذ ومرضى مكانهم الطبيعي هو المصحات النفسية وحماية اطفالنا لن يتحقق بغطاء للرأس فعدد الاطفال الذكور الذين يتم أغتصابهم في البحرين يتجاوز الأناث منهم بكثير.
كنت اتصور ان مثل هذه الامور تحدث عندنا فقط ولكني تفاجأت انها ظاهرة عربية .. فقد أرسلت لي بنت بطوطة برابطين لمدونة مصرية أسمها كفر الهنادوة حول الموضوع نفسه تجدونهما هنا و هنا .. وأترك لكم التعليق.