أستفزني تصريح وزير العمل الدكتور مجيد بن محسن العلوي المنشور اليوم في صحيفة أخبار الخليج والذي حاول فيه التنصل من دوره كوزير للعمل في أحتواء ازمة البطالة والقاءه بكل اللائمة والتبعات على الشباب البحريني.
ربما كان وزير العمل محقا في في انتقاده لفئة من الشباب البحريني تريد ان تبدأ مشوارها الوظيفي من أعلى درجات السلم، فهذه الفئة موجودة فعلا ومعظم الشباب البحريني من الجيل الحالي يفتقد الى الصبر والمثابرة ويريد الوصول بأسرع الطرق وأقصرها وأذكر في هذا السياق حوار دار بيني وبين أحدى الموظفات التي التحقت بالعمل حديثا بعد تبرمها واستيائها من راتبها الذي يبلغ 400 دينار بحريني على الرغم من عدم تمتعها بأي خبرة سابقة فقد تخرجت لتوها من جامعة البحرين لتجد هذه الوظيفة في انتظارها في حين قد ينتظر غيرها اربع او عشر سنوات قبل ان يتمكنوا من الحصول على عمل. واذكر انني قلت لها انه بالنظر لظروف سوق العمل الحالية والتي يبحث فيها معظم ارباب العمل عن الكفاءات ذات المؤهل والخبرة بأقل الرواتب وما قاساه جيلنا سابقا حينما كنا نتنقل من شركة لأخرى حاملين معنا نسخ من شهاداتنا وسيرتنا الذاتية للبحث عن اي وظيفة في اي مكان فانها تعتبر محظوظة نسبيا. فقد بدأنا برواتب تبدأ من المائتين دينار وصبرنا طويلا قبل ان تتاح لنا فرصة التنقل من عمل لآخر لتحسين وضعنا المادي والوظيفي ويبدو ان كلامي لم يعجبها إذ أكتفت بالقول ان جيلهم غير جيلنا وكأن جيلنا لم تكن لديه أحتياجات الجيل الحالي، فرواتبنا المتواضعة لم تكن كافية حتى لسداد اقساط سيارة مستعملة فضلا عن الاحتياجات الأخرى التى كنا نتنازل عنها في مقابل الضروريات.
لكن كل ذلك لايعني انه ليس لوزارة العمل والحكومة أي دور أو مسئولية، فالمشروع الوطني للتوظيف على سبيل المثال لم يحقق الآمال المرجوة منه ومعظم الوظائف التي وفرها من خلال بعض الشركات الخاصة والصغيرة كانت تصلح لحاملي الشهادات الثانوية أو ما هو أدنى من ذلك أو تلبي احتياجات تخصصات معينة اما التخصصات الأخرى والتي قيل بأن سوق العمل لديه أكتفاء منها فبقت على حالها تعاني من البطالة ومن انعدام الفرص، ورغم أنني أتفق مع وزير العمل بأن الناجحين في الحياة هم الذين يبذلون الجهود الكبيرة والمتواصلة على حد تعبيره الا ان ذلك لا يعنى ان نبخس البعض حقهم في الحصول على وظائف تتناسب مع مؤهلاتهم أو ان نوظف الحاصلين على البكالوريوس و الماجستير أوالدكتوراه في وظائف متدنية ونساويهم مع غيرهم من حاملي شهادة الثانوية العامة وحينما يرفضون هكذا عروض ننعتهم بالتكاسل وإيثار الراحة على العمل.
اما كون العامل الأجنبي – وأعتقد أن وزير العمل يتحدث هنا عن العامل الآسيوى لأن العامل الأجنبي القادم من دول أخرى لا يتقاضى راتبا متدنيا ولا يقبل الاستغلال – يرتضى بالاذلال لأجل لقمة العيش فهذا لا يعنى ان مثل هذه السلوكيات صحيحة وتسويق وزير العمل لمثل هذه الافكار التي تتنافى مع قوانين العمل وقوانين حقوق الانسان قد يشجع ارباب العمل على الاستمرار في هذه السياسة الاستغلالية بتوظيف عمال آسيوين برواتب متدنية ليقوموا بثلاث أو خمس وظائف وهو ما يحدث حاليا في العديد من المؤسسات والشركات.
واذا كان شبابنا غير مؤهل لشغل كل الوظائف فالأجدر هنا مراجعة سياسة واستراتيجية التعليم والوقوف على اسباب قصورها وأخفاقها في حل أزمة البطالة بدلا من القاء كل اللوم على الشباب والمجتمع البحريني. كما أنني لا أتفق مع وزير العمل بأن الشباب البحريني غير قادر على التكيف في مجالات العمل المختلفة فلو كان ذلك صحيحا لما وجدناهم يعملون اليوم في المطاعم والأسواق التجارية ومحطات الوقود. وما هكذا تورد الأبل يا وزير العمل!
سألت نفسي هذا السؤال وأنا في طريقي إلى مهرجان التراث الخامس عشر وتبادرت إلى ذهني ذكريات الطفولة .. الحفلات المدرسية .. ثوب النشل الأحمر و الدراعة .. العمل التطوعي .. الحرفيين البحرينيين وعناوين بعض الصحف المحلية حول تراث وتاريخ البحرين.
ماذا تبقى لدينا من تراث البحرين لنتذكره غير بعض القلاع، بيت سيادي ومتحف البحرين الوطني؟؟ هل نعتز فعلا بتراثنا؟ وهل فعلنا شيئا لنحافظ عليه من التلف ومن الضياع؟
تذكرت حديثي مع أحد الأخوان المهتمين بجمع المقتنيات البحرينية القديمة والتراثية والذي كان يتكلم بشئ من الحسرة على فقدان الكثير من المقتنيات والوثائق القديمة التي كانت بحوزة العديد من الدوائر والوزارات الحكومية ولم يلتفت إليها أحد فتم أتلافها والتخلص منها مثلما تم التخلص من الكثير من الأشياء .. البدلات العسكرية .. الوثائق والمستندات وقطع الأثاث وحينما يتعلق الأمر بالآثار والمقتنيات التاريخية والتي يجهل البعض أنها تدخل ضمن نطاق التراث فان قبور عالي الملكية أكبر شاهد على نظرة البعض لتراث وتاريخ البحرين. فحتى الآن لازالت هذه القبور موضع تنازع وجدال فبينما تفكر الحكومة في تحويلها إلى متحف طبيعي مفتوح ، أقترح الشيخ عادل المعاودة في جلسات برلمانية سابقة إزالة هذه القبور وبناء مساكن للناس معللا السبب إلى (تحول هذه القبور إلى وكر للمخدرات وبأن الأولى ان نمنح الناس سكن فوق هذه القبور بدلا من ان ندافع عن قبور ناس ذابت اعظامتهم).
رؤية مؤسفة لتاريخ البحرين لا يقل عنها أسفا تعقيب النائب السابق عبدالنبي سلمان آنذاك عن استملاك متنفذين ومتجنسين لأراضي هذه القبور ومقترح آخر للشيخ السعيدي بأن تزال أي مقبرة مر عليها ٥٢ سنة وان تبنى مكانها منازل وعمارات.
ماذا تبقى من ملامح ماضي البحرين وماذا سيتبقى للجيل القادم من تراثنا سوى متحف البحرين الوطني اليتيم ومهرجان سنوي للتراث كالمقام حاليا لم يجد في التراث سوى رياضة كرة القدم فقرر تحويل القرية التراثية إلى ناد رياضي مصغر.
ما علاقة كرة القدم بالتراث البحريني؟ سؤال جيد طرحه أحد المواطنين السعوديين في تحقيق عن المهرجان لجريدة الأيام وهو السؤال ذاته الذي طرحته لمديرة المهرجان السيدة سلوى الساعي والتي لا أعرفها بشكل شخصي ولكن التقيت بها صدفة أثناء المهرجان ويبدوا أنها لاحظت أنني كنت ألتقط بعض الصور فسألتني أثناء توقفي مع أحد الصديقات لشراء بعض المرطبات عن رأيي في المهرجان.
قلت ليس بالمستوى السابق وبصراحة لا أعرف ماهي العلاقة بين كرة القدم وتراثنا البحريني فردت: كرة القدم انطلقت من الفرجان باعتبارها لعبة شعبية بحرينية كان يمارسها الأولاد قديما. لم أقتنع باجابتها فرددت: ولكن ممارستنا لكرة القدم لا تعني أننا اختلقنا هذه الرياضة العريقة إذ أنها لم تكن يوما جزءا من تاريخنا أو تراثنا البحريني ولو قسنا ذلك على الكثير من الأشياء فسترين إننا قد اقتبسنا العديد من الرياضات والعادات عبر مختلف الأجيال ولكننا لا نستطيع اعتبارها جميعا تراثا بحرينيا خالصا. هزت رأسها شبه موافقة ثم قالت: ربما ولكن فكرة المهرجان جاءت بناء على مقترح وتوجيهات من جلالة الملك وحاولنا ما بالوسع تنفيذها بشكل مناسب.
لن ادخل كثيرا في تفاصيل المهرجان وانتقاد أوجه القصور التي أتفق عليها الكثير ممن حضروا المهرجان وذكرتها الصحف المحلية ولكنني مندهشة فعلا لماذا تم استبعاد الوجه الحقيقي لتراثنا البحريني والذي كان ولا زال مصدر أمتاع للناس وتذكريهم بالزمن الذي كان؟ لماذا لم يتم الالتفات إلى تفاصيل صغيرة وبديهيه كتوفير حاويات للقمامة؟ لماذا تحولت زوايا البيت العود إلى طاولات خاوية؟ لماذا لا يقام المهرجان خلال الشهور التي يكون فيها الطقس باردا ولماذا لا يتزامن ذلك مع بعض الأحداث والمناسبات لاجتذاب الزوار والسائحين كسباق الفورملا على سبيل المثال؟
بعد أقامة المهرجان طيلة هذه السنوات اما زال القائمين على تنظيم المهرجان يفتقدون الخبرة اللازمة ليتلافوا أخطائهم السابقة؟