Archive for the ‘حروف بحرينية’ Category

الابناء يأكلون الحصرم والآباء يضرسون

Posted on 2007 07, 30 by Suad

عندما تنحشر اللقمة بين رُكام المزابل

 نستطيع ان نُحمل الحكومة وزر البطالة والفقر والغلاء والكثير من المشكلات ولكن هل تتحمل الحكومة ايضا وزرعقوق الابناء؟  هل أقتربت عدسة الوسط لتسأل هذه المرأة عن سبب بحثها في حاويات القمامة؟ هل سألتها عن عدد ابنائها وأين هم الآن؟

 ربما لو فعلت لكان العنوان الذي تصدر الصفحة الأولى من الصحيفة عنوان آخر يشي بالحال الذي وصلت اليه العلاقات الأسرية في مجتمعنا البحريني.  فبخلاف الاستقلالية التي تتسم بها العلاقة التي تربط بين الابناء وابائهم في الغرب والتي تدفع الابناء للاعتماد على انفسهم منذ سن مبكرة يكرس الوالدان في مجتمعاتنا العربية حياتهم لتربية الابناء وتأمين احتياجاتهم الصغيرة قبل الكبيرة منها لدرجة ان البعض منهم يتحمل اعباء ابناءه المادية حتى بعد زواجه وانجابه للابناء.  هذا العطاء المتفاني والاسراف في تدليل الابناء لايجد له في المقابل أهتماما موازيا من قبل الطرف الآخر لا قبل ولا حتى بعد بلوغ مرحلة الاستقلالية والاعتماد على النفس.

وبعد ان كان يقال سابقا بأن الأباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون أنقلب المثل رأسا على عقب ليصبح الأبناء هم الذين يأكلون الحصرم.

واذا كانت عجوز صحيفة الوسط تبحث في حاوية القمامة عن ما تؤمن به لقمة العيش فهناك غيرها كثيرون ممن يضطلعون باعمال فيها من المشقة والتعب ما لا يتناسب مع سنين عمرهم التي تناهز الستين او السبعين في الوقت الذي تكتشف فيه ان لدى هؤلاء من البنين والبنات ما يتجاوز عدد أصابع اليدين ولديهم من الامكانيات ما يسد رمق ابائهم ويكفيهم شر الحاجة.

هذه هي قصة العجوز الستيني الذي يفترش عتبة مدخل أحد المجمعات التجارية كل يوم وقت الظهيرة عل أحدهم يسأله ان يغسل له سيارته وهي كذلك قصة مسّن آخر يطرق ابواب بيوت وبقالات المنطقة لجمع علب المشروبات الغازية الفارغة وقصص غيرهم وغيرهم ممن يبحثون في الشوارع وحاويات القمامة عن ما لم يجدوه في بيوتهم ولدى ابنائهم.

واذا كان هذا هو حال المسنين الذين لم تخذلهم قواهم الجسدية بعد فحال العاجزين منهم أسوء بكثير ، اذ ان نسبة كبيرة من أسرة مستشفى السلمانية الطبي يشغلها مسنون يفضل اهاليهم بقاءهم في المستشفى لأطول فترة ممكنة على تجشم عناء رعايتهم والاهتمام بهم، بل ان البعض منهم يتهرب من مكالمات ونداءات المستشفى المتكررة له للحضور واصطحاب قريب له بعد انتهاء فترة العلاج.

قبل عدة أشهر قمت مع فريق لخدمة المجتمع بزيارة لدار لرعاية المسنين في البحرين ، تجربة مؤثرة الا انها تركت في نفسى شيئا من الضيق والكآبة جعلتني أقرر بعدها عدم تكرار الأمر.

فبعض نزيلات الدار كن مصابات بأمراض أخرى غير تلك التي لها علاقة مباشرة بالشيخوخة كمرض التوحد على سبيل المثال والذي يتطلب عناية نفسية وطبية خاصة الا ان الدار وضعتهن جنبا الى جنب مع غيرهن من المسنات.  أروقة يملأها الهذيان والأنين وقصص مريرة لنساء أنتهى بهن مطاف العمر الى هذه الدار الموحشة.  وبين هؤلاء شدتنا تلك المرأة بحسها الفكاهي وذكرياتها الممتعة عن ماضي البحرين .. طلبنا التقاط بعض الصور معها فقوبل طلبنا بالرفض، والسبب انها تنحدر من عائلة عريقة ومعروفة في البحرين ولا يرغب اقربائها ان يتعرف عليها أحد من خلال صورها تجنبا للحرج الذي يمكن ان يقعوا فيه اذا ما أنتشرت القصة.  اذا كانت العائلات الميسورة والعريقة تلقي بدمها ولحمها في دار للعجزة فماذا ننتظر من الباقي؟

ما أردت ان أصل اليه من خلال هذا المقال هو أن الحكومة ليست المسئولة الأولى ولا الوحيدة عن كل آفات المجتمع وأمراضه الاجتماعية .. وربما حان الوقت لكي نكاشف انفسنا ونواجهها بمواطن تقصيرنا  قبل ان نوجه اصابع الاتهام إلى الحكومة أو إلى غيرها من الجهات.

 

Share

شواطئنا بين الاهمال والاستثمار

Posted on 2007 07, 21 by Suad

لم أعد اذكر كم من الاعوام مضت على آخر زيارة لي لهذا الشاطئ المفعم بالذكريات، كنا صغارا ولم نكن نقّدر حينها نعمة البحر كما نفعل الآن.  كان بلاج الجزائر بالنسبة لنا شاليه صغير في نهاية الساحل .. يوم جميل برفقة الاهل والاصدقاء  نقضي نهاره في السير عدة أميال داخل البحر وسط تحذيرات الكبار بعدم الابتعاد عن الشاطئ والتشديد على تجنب سلطعونات البحر.  ومع حلول المساء كان الجميع صغار وكبار يلتفون حول موقد الشواء لتناول وجبة العشاء والدردشة على صوت وأغاني كوكب الشرق المنسابة عبر مذياع والدي القديم.

لست أدرى ما الذي ذكرني اليوم مجددا بهذا الشاطئ، هل هي رائحة البحر التى أفتقدتها أو الحنين الى الذكريات أم هي الألفة والاعتياد التي تربط بيننا نحن الخليجيين وبين البحر.

حينما وصلنا الى المكان كان الساحل يعج بعشرات العائلات أفترش العديد منهم الارض لعدم وجود أماكن كافية .. كان الطقس رائعا بحق وفيما عدا بعض المخلفات البسيطة والاعشاب البحرية فأن الساحل يعد نظيفا مقارنة بغيره من شواطئ البحرين.  الا ان هذا المنظر لم يشوهه سوى الهياكل الكئيبة للعرشان والعاب الاطفال المتهالكة ، دورات المياه القديمة التي يعلو كل شئ فيها الصدأ .. صنابير المياه المعطوبة..  هذا في الجزء الامامي فقط من الساحل اما المتبقي منه فلا وجود لأية مرافق سوى هذه البقايا من الاخشاب.

شعرت بالاسف فعلا فلقد مر على انشاء هذه المرافق أكثر من عشرين عام ومع ذلك لم تمتد ايدى الصيانة والاصلاحات لها ولم يفكر أحد المسئولين أو القائمين على بلدية المنطقة بالنظر الى ما آل اليه حال هذا الشاطئ.

حينما عدت الى المنزل في المساء أبلغني أحدهم عن هذا الخبر الذي لم يمض على اعلانه سوى عدة ايام:

وقعت كل من مجموعة الاثمار البحرينية ومجلس التنمية الاقتصادية اتفاقية تفاهم تقيم بموجبها الاولى منتجعا سياحيا ضخما بكلفة 800 مليون دولار أمريكى بالاضافة الى عمليات تطويرية شاملة لساحل بلاج الجزائر وتتضمن الاتفاقية بناء سلسلة فنادق من فئة الثلاث والاربع نجوم فى الجهة المقابلة للساحل على الطراز المعمارى البحرينى القديم وانشاء برجين متداخلين بكلفة 175 مليون دولار على أرض مساحتها 7 الاف متر مربع بمنطقة السيف سيخصص الاطول منهما بارتفاع 40 طابقا لاول مشروع سياحى من نوعه فى البحرين حيث تقدم المجموعة من خلاله أول فندق سياحى عائلى تتوافق خدماته مع أحكام الشريعة الاسلامية ويتضمن البرج الثانى بارتفاع 25 طابقا المقر الرئيس للمجموعة والموءسسات التابعة لها وكشف الرئيس التنفيذى لشركة اثمار عن أن الشركة قامت بتوقيع عقد استأجرت بموجبه ساحل بلاج الجزائر والمنطقة المتاخمة له لمدة 99 عاما لتنفيذ المشروع السياحى على مرحلتين الذى يتضمن تأسيس عدد من المرافق السياحية ذات الطابع المعمارى البحرينى وذلك من خلال مرحلتين

وقال أن المرحلة الاخيرة سوف تشمل انشاء عدد من الجزر الصغيرة فى الجزء الجنوبى من الساحل اضافة الى عمليات تطويرية لمنطقة الشاليهات وأكد المهندس السيد أن الشركة سوف تلتزم التزاما كبيرا بتقديم نموذج راق من السياحة العائلية من خلال مشروع منتجع بلاج الجزائر بحيث تمكن جميع شرائح المجتمع البحرينى من ارتياد ساحل سياحى مشيد على أعلى مستويات المفهوم السياحى وبما يلبى جميع حاجات المجتمع فى المطاعم والمقاهى والمحلات التجارية التى سوف تكون جزءا من المشروع الفندقى الضخمواشار الى أن عمليات تنفيذ المرحلة الاولى من المشروع سوف تبدأ مطلع العام المقبل وتستغرق مدة تتراوح بين 3 الى 4 أعوام وأن المجموعة سوف تعمل على استمرار ارتياد العامة للساحل خلال فترة التشييد”. 

ساحل آخر تطاله ايدى المستثمرون .. ساحل آخر سيتحول الى منطقة سيف جديدة والى سلسلة من المطاعم والمقاهي .. لست أدرى لماذا يرتبط مفهوم السياحة عندنا بالفنادق والمطاعم؟ لماذا لا يترك البر والبحر على طبيعتهما ؟ لماذا نحتاج الى تشييد المباني المرتفعة وناطحات السحاب في كل مشروع سياحي ؟ هل هي وسيلة جديدة لنؤكد للعالم بأننا متقدمون اقتصاديا أم انها لوثة وأصابت القائمين على السياحة في الخليج؟ 

Share

« Older EntriesNewer Entries »