جنة عبدالرحمن
كان عبدالرحمن في العقد الخامس من العمر، يغزو شعره الشيب الأبيض وتكسو ملامحه وبشرته السمراء طيبة وبساطة الزمن الماضي. وكنا أنا وأخوتي صغار أشقياء نملأ صباحه ضجيجا بالتزاحم في سيارته الصغيرة التى يقلنا بها الى المدرسة ونركل حقائبنا المدرسية نحو المقاعد الخلفية بينما نتعارك لنحظى بالمقعد الأمامي الى جانبه.
كان عبدالرحمن يعود لاصطحابنا في الظهيرة محملا بالحلويات، نشاكسه فيغضب ويهدد ويتوعد ولكن سرعان ما تعود الابتسامة الى محياه فيمنينا بمفاجأة في مقابل التخلى عن شجارنا. سألنا عبدالرحمن وما هي هذه المفاجأة؟ قال: الجنة.
جنة عبدالرحمن كانت سيارة فارهه مساحتها شاسعة، بداخل السيارة كل ما لذ وطاب من الحلويات وحدائق خضراء تزينها أشجار الفواكه ولا مكان فيها لمدرسة او كراسات او أقلام، عالم وثير ملئ بالعجائب والالوان. مرت الايام وأصبحنا نتلهف لرؤية عبدالرحمن كل صباح حتى يسرد علينا حكاياته ونتوق لذلك اليوم الذي تطأ فيه أقدامنا السيارة الجديدة أو الجنة الموعودة.
أنقطع عبدالرحمن عن رؤيتنا لعدة أيام وعندما عاد قال لنا وهو مطرق الرأس وقد بدت عليه علامات التعب والاعياء بأنه راحل وقد لا يتمكن من رؤيتنا من جديد. قلنا بصوت واحد خذنا معك، نريد ان نرى الجنة فأومأ برأسه وفي عينه بريق أو دموع ايجابا بأن ذلك سيكون عما قريب.
بعد سنوات توفي عبدالرحمن في صمت، شعرت بشئ من الأسى رغم مضي كل هذه السنوات ولست أدرى هل حزنت لرحيل عبدالرحمن ام لرحيل الخيال الجميل الذي تقاسمناه معه.
وُفِقت عزيزتي في الإنتقال، فأخيراً لي المقدرة إدخال تعليقات و تتبع مقالاتك الشيّقة بدون عثرات مايكروسوفت!
محمود
Congrats on the move, site looks great, and I hope to see more of your blog entries after a quiet couple of weeks =0)
محمود
.شكرا لمرورك وتشجيعك، الفضل يعود لك اولا واخيرا في خوضي تجربة التدوين وفي الاستمرار فيها
nurox
شكرا ، سأحاول قدر الامكان ان اكون منضبطة في تدويناتي وفي نوعية الموضوعات التى اطرحها 🙂