ذاكرة المكان
كان الجو ممطرا وكنت قد وصلت لتوى لمحطة كوفنت جاردن في العاصمة البريطانية .. تفقدت مظلتي فلم أجدها ولم استطع ان استذكر ان كنت قد نسيتها على المقعد في القطار او انها قد سقطت مني دون ان اشعر اثناء الازدحام .. كانت المرة الاولى التي ازور فيها حي كوفنت جاردن والمرة الأولى التي أكون فيها بمفردي بعد ان غادرت رفيقتي في الرحلة مبكرا
بعد ان تخطيت منطقة الحواجز في المحطة وبينما كنت اسأل احد المارة عن المكان تناهى إلى سمعي لحن موسيقي .. العزف كان حزينا ومؤثرا جدا لدرجة انه جعلني أتسمر في مكاني لعدة دقائق .. توقعت انها مقطوعة موسيقية مسجلة تصدح من احد المتاجر الموسيقية التابعة لدار الأوبرا الملكية او من مطعم مجاور ولكن حينما غادرت المحطة استطعت ان اتوصل إلى مصدر الصوت .. كان توم هناك مفترشا ارضية الشارع المقابل .. الحقيبة السوداء التي تحتضن آلته الموسيقية خالية إلى جواره بينما هو منسجم مع لوحة المفاتيح التي تعزف اصابعه عليها بمهارة تنافس أشهر العازفين العالميين .. في غضون دقائق احتشد المارة من حوله ولكنه كان كمن يعيش في عالم آخر .. ورغم برودة الجو ورذاذ المطر فأن المارة لم يفكروا بالانصراف، التزم الجميع بأماكنهم حتى النهاية وكنت معهم ولكني لم استطع ان اهين هذة الموهبة الرائعة كغيري بإلقاء بعض القطع النقدية في الحقيبة السوداء .. أقتربت منه وسألته عن أسمه وبلده وعن كيفية الحصول على البوماته اذا كانت متوفرة في الاسواق واندهشت كثيرا حينما عرفت انه يؤلف ويسجل مقطوعاته بنفسه ويبيعها لمن يرغب فلا شركة انتاج ولا جهة تسوق اعماله .. زودني بنسخة من المقطوعات الموسيقية التي يعزفها والتي يبدو انها أول اعماله وببطاقة تعريفية تحمل اسمه ورقم هاتفه وعنوانه في طوكيو أخذتهما منه ومضيت في طريقي
كان ذلك في أكتوبر عام ٢٠٠٣ واذكر انني بعد ان عدت إلى البحرين بحثت عن اية معلومات عنه فلم أعثر على شئ اذ يبدو ان تومونوري او توم كما يحلو له ان يسمى نفسه مجرد فنان مغمور لايعرفه سوى المارة والمسافرين الذين يجوبون الاحياء والمحطات التي يتوقف للعزف فيها
البارحة واثناء بحثي عن فيلم المليونير المشرد على اليوتيوب عثرت على فيديو قام بتصويره احد المارة لتوم وهو يعزف في محطة كونيتاتشي في طوكيو والكلمة المفتاح كانت كوفنت جاردن، المكان الذي انطلقت منه وقائع حفل جوائز بافتا للسينما البريطانية الذي أقيم في دار الاوبرا الملكية والذي حاز فيلم المليونير المشرد من خلاله على سبع جوائز
حينما تذكرت كوفنت جاردن لم تحضرني ذكريات دار الاوبرا ولا اسواق التحف والهدايا ولا حتى تاريخ المكان الذي يعود للامبراطورية الرومانية. كوفنت جاردن اصبحت مرادفا لرذاذ المطر .. لتوم .. لتللك المقطوعة الموسيقية الرائعة التي ارتبطت في ذهني بالمكان .. غريب أمر بعض الذكريات حينما تطغى على كل التفاصيل الاخرى لتصبح الهوية الرسمية والوحيدة التي نستدل بها على الاماكن
فيلم المليونير المشرد قادني لبطاقة تومونوري التي فقدتها قبل خمسة اعوام فأرسلت لتوم رسالة الكترونية لم أكن واثقة انها ستصله، وفي اليوم التالي وصلني رد توم، أخبرني انه لازال حتي اليوم يمارس هوايته في العزف للمارة في المحطات الا ان مجموع ما انتجه قد أصبح خمسة البومات بما في ذلك البوم ميراج الذي احتفظ بنسخة منه ووعدني بأن يرسل لي الالبومات الاربعة الأخيرة خلال الاسبوع المقبل
توم بدا غير مصدقا ان احد المارة تذكره بعد مرور خمسة اعوام من لقاءه به امام احدى المحطات خارج بلده وانا لم اكن مصدقة كذلك ان فيلم المليونير المشرد سيعيد لي ذكريات يوم ممطر في كوفنت جاردن وان كل لحظة بحث كما قال باولو كويليو هي لحظة مواجهة او التقاء بشخص او شئ غير متوقع
المقطوعة جميلة جداً.
عاش توم
وكل سدنة الشوارع 🙂
روووعة
صاحب المداس
عاش .. عاش 🙂
Lilb792
والاروع ان تستمع إلي هذا العزف في مكان جميل ويصاحب ذلك ايقاع المطر
السلام عليكم،
لقد قلت هذا الكلام سابقا واقوله مجددا، مساحتك الإلكترونية ممتازة. ثانيا، أختلف معكِ في كثير مما جاء في مقالك عن غزة، لكن لا داعي لمناقشته الآن.
لك كل الود
The observer
الله .الله
أممممممممممممممم.. لذيذ حدّه
The Observer
وانا قلت هذا الكلام وسأقوله مجددا .. تسعدني زياراتك وانتقاداتك كيفما كانت والتي تخص مدونتي بها .. شرف لي ان احظى بقراء متميزين مثلك وكما قلت سابقا اترقب عودتك لساحة التدوين وارجو ان تأخذ الموضوع بجدية .. الم نتفق ان ندع الكلاب تنبح والقافلة تسير؟
حسين
لذيذ!! .. هل تعرف ان هذا التعبير اصبح مرتبطا بك؟
جميل ان يكون مذاق كل شئ في هذه الحياة لذيذا بالنسبة لك 🙂
Funny you make a reference to Kunitachi Station in Tokyo in this article – most of my life for the last four years has been revolving around that station 🙂
هههههه
سعاد ..هناك طفلة لا تعرفني باسمي
تعرفني باسم: لذيذ
حسن
احيانا افكر كيف يمكن لاماكن وشخوص وتفاصيل لاتربط بينها اية علاقة ان تتلاقى لتخلق قصة او حياة!! حتى تضاءل او تعاظم قيمة بعض الاشياء في حياتنا مرهون بمجرد صدفة