ساعي البريد

Posted on January 7, 2011 by Suad

تشرعُ بالموت بطيئا

إنْ لم تسافر

إن لم تُطالع

فانك تستهلّ موتك بطيئا

عندما تقتلُ إحترامَك لذاتك؛

حين لا تـَدَع للاخرين إعانتك

أنما تشرَعُ بالموت بطيئا

ما أن تمسي عبدا لعاداتِكَ

تقطع مشياً يومياً ذات السُبل

إن لم تُغيّرْ من رتابتك

إذا لم ترتدِ مختلف ألألوان

أَو تحجم عن التحدث مع أناس تجهلهم

فانك تبدأُ بالموت بطيئاً

إن تتجنب الإحساس بالهوى

وما تؤوله عواطفه المتأججة؛

تلك التي تجعلُ عينيك تتألّقان

وقلبكَ يخفق بشدة

فسرعان ما تبدأ موتك بطيئا

إذا لم تُغيّرْ حياتكَ أنّى شعرت بعدم رضى

لشغلك، أَو لحبِّكَ

إذا لم تُخاطرُ لما هو آمن بما هو غامض

إذا لم تتعقـّب حُلماً

ولم تسمحْ لنفسك

في الأقل مرة واحدة بحياتك

أن تزوغ َمن نصيحةٍ عاقلة

فلتبادر بالعيش حالا

ولتخاطر اليومَ

لأن تفعل شيئا الآن

إياك أن تسمح لنفسك بالموت بطيئا

ولاتنس أن تكونَ سعيدا

بابلو نيرودا

من المذهل ان تعثر على قصيدة تتقاطع فيها ذات الشاعر مع ذاتك، ظروفه الحياتية مع ظروفك، تقاطع قد ينتصر لمبدأ .. لفكرة عبرت رأسك، لنص كتبته أو لقرار أتخذته يوماً ما ولم تجد من يوافقك عليه

ومن المذهل أكثر ان يحفز هذا النوع من التقاطع الكاتب التشيلي أنطونيو سكارميتا على كتابة رواية متخيلة عن الشاعر بابلو نيرودا الحائز علي جائزة نوبل في الادب عام ١٩٧١ لتتحول إلى فيلم سينمائي رائع هو الفيلم الايطالي “ساعي البريد” الذي حصد جائزة البافتا لأفضل فيلم أجنبي غير ناطق باللغة الانجليزية عام ١٩٩٧ورشح كذلك لأفضل نص وأفضل ممثل وأفضل موسيقى وأفضل أخراج وأفضل تصوير سينمائي

تستشف من الفيلم تأثر الكاتب واعجابه الشديد بشخصية الشاعر بابلو نيرودا وايمانه بالثورة الشيوعية وبمبادئ العدالة والحرية ومناصرة الضعفاء من الكادحين والفقراء،  ورغم الحقبة الزمنية التي تفصل بين مولد “بابلو” و”انطونيو” الا ان الاثنين يعدان من أهم كتاب أمريكا اللاتينية، كلاهما تغرب وعمل في السلك الديبلوماسي وكلاهما عاصر الفترة التي أطاح فيها الجنرال بيونشيه بالحكومة الاشتراكية المنتخبة بعد اغتيال الرئيس سلفادور الليندي

هذا العمل الفني المتقن دفع ثمنه ايضاً بطل الفيلم الشاعر والممثل والمخرج الايطالي ماسيمو ترويزي الذي أجل عملية جراحية مهمة في القلب حتى يتمكن من إتمام تصوير مشاهد الفيلم ولكنه وبعد مرور اثنتا عشر ساعة على تصوير آخر مشهد من مشاهد الفيلم توفي أثر نوبة قلبية داهمته في منزل شقيقته في روما.  من النادر ان تشاهد فيلماً كوميدياً ساخراً ولكنه مفعم بالحزن وبالدفء كهذا الفيلم، الفيلم الوحيد الذي شعرت انه حقق هذه المعادلة بامتياز هو فيلم”الحياة جميلة” للمخرج روبيرتو بينيني

فيلم “ساعي البريد” يحكي قصة وهمية عن وصول الشاعر التشيلي الشهير بابلو نيرودا في حزيران ١٩٦٩ إلى قرية صغيرة قبالة سواحل ايطاليا منفياً من وطنه الام.  معظم اهالي القرية اميون ويعيشون على صيد الاسماك ماعدا القلة القليلة منهم كـ “ماريو” ابن أحد الصيادين الذي يرفض ان يمتهن الصيد، وبقدوم بابلو تُخلق له فرصة مثالية للعمل كساعي بريد في قرية صغيرة لايتسلم فيها أحدا اية خطابات سوى الشاعر بابلو نيرودا الذي يتلقى كماً هائلاً منها كل يوم من معجباته النساء من كل مكان

الفيلم يؤكد على دور الشعر كلغة انسانية في التقريب بين الطبقات الاجتماعية والشخصيات علي اختلافها اذ تنشأ مع الوقت علاقة صداقة بين الشاعر وساعي البريد الذي ينبهر ببابلو الشاعر وبهالة الغموض والسحر التي تلف عالم الشعر وتكون الشرارة التي تشعل قلب ماريو وتلقى به في احضان حب النادلة بياتريس وفي الوقت ذاته في دهاليز السياسة المحفوفة بالمخاطر التي قدمها اليه عالم بابلو نيرودا. ولكن اليس هذا مايحدث حينما نقايض السذاجة والبراءة بالمعرفة؟ تحول مثل هذا لابد ان يكون له ثمن وثمن الدخول إلى عالم العاطفة والشعر قد يكون باهظاً ومؤلماً احياناً

يعود ماريو لممارسة حياته اليومية في القرية حينما يرحل بابلو نيرودا عن الجزيرة اثر وصول اخبار تفيد برفع الامر التشيلي السابق بإعتقاله. وبعد عدة سنوات يقرأ ماريو تصريحاً في احدى الصحف نقلاً عن بابلو نيرودا انه كان يعيش في الجزيرة في عزلة تامة مع أكثر الاشخاص بساطة في العالم وبأن الاصوات على الشاطئ قد تركت اثراً في نفسه لن يمحوه الزمن  لكنه لم يأت على ذكر ماريو بالتحديد الامر الذي ادخل الحزن إلى نفس ماريو فقرر ان يأخذ على عاتقه مهمة تسجيل الاصوات في الجزيرة وان يكون هذا التسجيل بمثابة قصيدته عن القرية التي لايمتلك الكلمات المناسبة للتعبير عنها ليرسلها لبابلو علها تذكره بهم

ما الحياة الا مجموعة من الاستعارات .. هكذا يرى المؤلف العالم من خلال ماريو. قد لايكون ماريو شاعراً بارعاً في التعامل مع اللغة ولكن بصمة تركها نيرودا على حياة ماريو تشهد بقوة الشعر وقدرته على التحول والتغيير في حياة الانسان

تحت الهامش:  هذا المقال هو مشاركتي لهذا الاسبوع  في مدونة بلوغ-اون التي تشترك في تحرير موضوعاتها مجموعة من المدونات من العالم العربي والدنمارك تحت تصنيف موضوع مشترك وموضوع هذا الاسبوع هو افضل كتاب قرأته او فيلم شاهدته خلال عام ٢٠١٠

Share

Comments

  • she was & she still on March 6th, 2011

    لك التحية

    من باب الشيء بالشيء يذكر أعجبتني القصيدة كثيراً وودت ان اشكرك عليها من فترة لأني استمتعت بقراءتها , ولكن ماهذا الهدوء الذي هنا ؟ أين انت يا سعاد ؟ مررت من هنا لأرى ارائك حول مايجري في العالم العربي هذه الأيام ..من ..مصر..البحرين ..ليبيا ..وهلم جرا ولكن لم اجدك! اتمنى ان الامور كلها خير ان شاءالله وطميننا عنك وليس من الضروري ان نقرأ جديدك طالما انك في انشغال على مايبدو

    والسلام

  • روان علي شريف on March 13th, 2011

    الى الاخت سعاد التي نفتقدها في غمرة الاحداث المتسارعة
    اتمنى انك بخير وان شاء الله يرفع الغبن عن شعبكم الطيب.
    لك كل الود والاحترام
    واليك هدية السنة الجديدة

    كتاب الهامش
    حين يغيب العقل تعترينا الرعشة وتبتلع المدينة في لحظات جنونها كل ما بنيناه.لا وقت للانتظار قال الأولون.خيوط العناكب امتداد لعبقرية الكبار وصغارنا يكبرون في الهامش تحت الأمطار لا يذكرون النشيد.
    يكبرون على الهامش وتكبر جراحهم في صدورهم . لا فرق بيننا ولا فرق بين القلم وبين الألم.يغير الجرح بداخلي، ينصهر الملح بداخله وتغيب الرغبة لدينا جميعا.تتعدد الاحتمالات،تتفرع السبل ويضيع السبيل اليقين في المتاه.ترى هل للعقل مغاليق أم أنا المغلاق ؟
    تموت الأماني مع كل خيبة أمل كالفراشات على حواجز النار وتنتصر الحماقات وفي الأفق المستحيل يكبر المستحيل .تكبر الفكرة في احضان التمرد ويموت الموت أمام التحدي.
    لا رجعة للأمس هكذا يقولون من فقدوا ذاكرتهم في المهب ونبقى وحدنا على الرصيف في انتظار المساء لعله يكون اخر مساء.
    أنا العابر مثلكم من الظلمة الى النور أعود من أبعادي الأبدية مغرم بكم وبنرجسيتي الخانقة أبحث عن شيئ مفقود وفي غمرة السكون قال لي هاتف لا شبيه لك في هذا الكون ،لا أحد يتمسك بماضيه مثلك ، لا أحد يستحق عذابك.أأنت ادم في بداية الخلق قبل المعصية ؟
    للأشياء بدايات وللبدايات امتداد حتى ولو كان الفراغ نفسه.الامتداد أنا وأنا الحلقة المفرغة من الزمن .يدور الزمن داخل الجدار ويتهم كلانا بالعبث.
    لا مراسي في الأفق تأوينا،يكفي أننا نكتب أسماءنا على الهامش، سعداء بماضينا وفي صيرورة الكون لنا امتداد لكل العابرين.

  • وجع البنفسج on June 1st, 2011

    اختي العزيزة .. سعيدة بتعرفي على مدونتك الجميلة ، عملت جولة سريعة فيها ووجدت رقي مش طبيعي .. استمتعت بالقراءة وان شاء الله من المتابعين
    دمت بخير وتقبلي خالص تحيتي

  • افلام اون لاين on June 20th, 2011

    حلوة الروح الي بتكتبي بيها دي .. استمري

Leave a Reply

Name

Email

Website

*