التدوين المعلب
لا أحب تعميم الملاحظات كظواهر ولكنني لم استطع ان امنع نفسي من التمعن في المشهد التدويني العربي بعد مروري بمئات ان لم يكن الآف المدونات العربية وبعد ان اتيحت لي الفرصة لحضور العديد من الورش التدريبية والمؤتمرات التي جمعت بين مدونين من مختلف الجنسيات العربية. التدوين العربي تدوين مُستهلك رغم ما أتاحته الرفاهية الالكترونية من آفاق جديدة للتعرف على ثقافة الاختلاف والتنوع من خلال التواصل عبر وسائل الاعلام الجديد ممثلة في المدونات والشبكات الاجتماعية
هناك الكثير من الافكار والحوارات التي تشجع على تكوين شخصية (المُدون النموذج) في العالم العربي الذي يجب ان يعتنق افكار معينة وفقاً لمبادئ وايدلوجيات تبيع أكثر في سوق وسائل الاعلام الجديد. فالمدون العلماني او الليبرالي مرحب به أكثر من غيره من المدونين المتدينين او المحافظين بدعوى انه الاكثر تفهماً والاقل تشدداً والنتيجة ان الكثير من المدونين العرب اصبحوا يسيرون باتجاه العلمانية وان كانوا لايفقهون ابجدياتها
المدون النموذج يجب ان يقف ضد جميع انواع الحجب الالكتروني بما في ذلك مواقع التجارة الجنسية واللادينية بدعوى حرية الرأي الامر الذي افرز موجة جديدة من المدونات التي تشجع على نشر البذاءات والكتابة الجنسية المبتذلة، ومدونات اخرى يتباهى اصحابها بالمثلية والشذوذ الجنسي ونشر الصور الفاضحة التي لاتحمل اي مدلولات فنية او فكرية وتعليقات موازية في الابتذال ايضاً من باب “حرية الرأي”. “الالحاد” ايضاً اصبح رديفاً للكاريزما والتميّز للراغبين والراغبات في الشهرة السريعة واستقطاب عدد كبير من الزوار الذين يمطرونهم اما بالمديح او بسيل من الشتائم التكفيرية التي أصبحت من علامات نجاح المدون او المدونة النموذج
المدون النموذج يجيد اللغة الانجليزية ويتحدث بها طوال الوقت حتى لو كان متواجداً بين اقرانه المدونين العرب وينظر لغيره ممن يدونون باللغة العربية بشئ من الدونية والاستعلاء لانهم يتحدثون إلى انفسهم اما هو فيتحدث إلى “العالم” حتى لو كان حديثه هذا لايضيف شيئاً ذو قيمة إلى هذا العالم
هناك تناسخ تدفع باتجاهه حتى مؤسسات ومنظمات حقوق الانسان القائمة على تنظيم ورش ولقاءات المدونين بوعي منها او بدون وعي فلم يعد المدون العربي يفّرق بين احترام حرية الآخر في ان يكون مايريد وبين قناعاته الشخصيه ورؤيته الخاصة لبعض القضايا التي تلعب هذه الجهات دوراً في نبذها او تقبلها. هناك تنوع في الفضاء التدويني العربي ولكنه ليس تنوّعا حقيقياً فجزء كبير منه واقع تحت تأثير العولمة الالكترونية وضغوط المنظمات الدولية، انها ثقافة التنوع المعلب الذي افرزته الرأسمالية المعاصرة كما افرزت تنوع حاويات النفايات القابلة للتدوير
ماذا عن وتيرة التدوين في العالم العربي؟ عندي اهتمام بمعرفة التغيير الذي طرأ على هذه الوتيرة في السنتين الاخيرتين بشكل خاص ومع ظهور ادوات التدوين المصغر مثل التويتر وتمبلر و غيرها؟ هل اجد عندك ملاحظات او احصائيات بخصوصها؟
شاهدت مؤخرا احصائية غربية ولكن غير متأكدة اذا كانت تشمل العالم العربي وهي تشير الى خفوت في الاتجاه الى التدوين قراءة وكتابة
مرحبا ابتهال
افتقدنا اطلالتك وتدويناتك
لا أملك احصائيات دقيقة ولكن مثلك لاحظت بأن هناك تراجع في التدوين واتجاه أكبر نحو التدوين المصغر على الشبكات الاجتماعية الاخرى. أعتقد انه من الصعب على اي مستخدم اليوم ان يكون فاعلًا وناشطا على جميع هذه الشبكات في آن واحد والا اصبحت حياتنا اليومية الكترونية ١٠٠٪. ياريت تزوديني برابط للاحصائية التي ذكرتِ
مؤخرا وحسب ما نشرته الصحف المحلية بإن هناك ٢٠٠ الف مستخدم في البحرين للفيس بوك ولكن أعتقد ان العدد على تويتر وتمبلر اقل من هذا الرقم بكثير وان كان هناك تزايد متنامي في عدد المستخدمين مؤخرا كما لاحظت
سيكون ممتعا ان نرى ان كانت هذه الزيادة ستؤثر على الشبكات الاجتماعية الاخرى كالفيس بوك او غيرها، شخصيا قل استخدامي كثيرا للفيس بوك لاني اعتقد بأنه يحوي الغث والسمين وربما أكون متطرفة في رأيي ومتحيزة قليلا لتويتر ولكني شعرت خلال الفترة البسيطة التي تواجدت فيها علي تويتر ان هناك نخبة من المثقفين والناشطين والشخصيات العامة ممن يثرون الحوار بتواجدهم على تويتر، العبارات موجزة واغلبها يحوي اخبار او انتقادات لاتخلو من عمق وموضوعية في الطرح وبرأيي تويتر اصبح مصدر اخباري أكثر منه شبكة للتواصل الاجتماعي
ولكن ستبقى للمدونات خصوصيتها ورونقها فمن الصعب تحليل اي موضوع او قضية في ١٤٠ حرف، المدونة في رأيي هي مرآة لدواخلنا وافكارنا التي تضيع معظم الاحيان في زحام تويتر وغيرها من الشبكات. الا تظنين ذلك؟
صحيح أجد من الصعب ان يتراجع التدوين نهائيا لأن هناك أغراض لا يلبيها إلا التدوين الطويل. جئت لك برابط الاحصائية
http://pewinternet.org/Reports/2010/Generations-2010/Overview/Findings.aspx
الأخت سعاد المحترمة
السلام عليكم
مقالك جميل جدا جدا جدا
احببته لأنه في الصميم في توصيف الحالة العربية
اعجبتني توصيفك للمدون النموذج وخصوصا اللغة والإلحاد والاستهزاء بالله والدين
واعتقد اني ذكرت لك مرة انني حضرت مرةواحدة لإجتماع المدونين البحرينين( وكانت الأخيرة) وعجبت من التحدث باللغة الانجليزية كل الوقت رغم انهم كلهم بحرينيون. آثرت الصمت حتى ظن البعض منهم اني لا استطيع التحدث باللغة الانجليزية!!
وصفك الدقيق جدا هو احد اسباب تدهور الحالة التدوينية لأن بعض هؤلاء ليسوا قوما للكتابة
بل “للشو” الكتابة حالة لا اجد افضل من يوصفها كأحلام مستغانمي.
انصحك بقراءة مقالها الأخير في مجلة زهرة الخليج بعنوان “يا لجرأتهم” اذا لك اكن مخطئ.
اختم ملاحظتي برفع القبعة لك لجمال هذا المقال.
لك الود
معاك كل الحق سعاد
خصوصا في جزئية التدوين بالعربية التي بتنا نشعر معها أننا قادمون من كوكب آخر
تحياتي لهالتدوينة اللي بتفش الغل:))
إبتهال
شكراً على الرابط، احصائية مثيرة للاهتمام ولكن مالفت انتباهي هو ازدياد عدد المستخدمين للانترنت والتدوين من قبل الفئات العمرية الاكبر سناً والتي تصل لـ ٦٠ ومافوق. هذا الشئ ايضاً لاحظته على تويتر الذي يتواجد فيه عدد كبير من الفئة العمرية ٣٠ ومافوق وبرأيي ان هذا مشجع جدا بغض النظر عن التباين في استخدام الشبكات الاجتماعية. حمستيني للبحث عن المزيد من الاحصائيات بهذا الخصوص
الأخ جعفر
حضرت مؤخرا ورشة للمدونات في الاردن ودار جدل حول موضوع لغة المدونات وقد ذكرت النقطة التي تحدثت عنها بخصوص وجود شئ من العزلة او وعدم التجانس بين المدونين العرب الذين يدونون باللغة العربية وبين من يدونون باللغة الانجليزية. هذه الهوة مبعثها ليس اللغة بحد ذاتها فحسب ما ذكرت احدي الاخوات المشاركات في الورشة اننا يجب ان ننظر للغة كأداة أكثر منها ايدلوجية في موضوع التدوين ولكن المشكلة هو ان اللغات في العالم العربي اصبحت مرتبطة بالطبقات الاجتماعية أكثر منها اداة للتعبير في الوقت الذي يمكن ان تكون فيه مصدر اثراء وتنوع للمحتوى الالكتروني وهذا شئ مؤسف حقاً
لم أعثر على مقال احلام مستغانمي الذي ذكرت ولازال موقعها الالكتروني قيد الانشاء ولكن سأختم بعبارة جميلة لها عن اللغة لازالت حاضرة في ذاكرتي
نحن نكتب باللغة التي نحسّ بها الأشياء
مياسي
رغم انك وعلا أكثر مشاركتين لم يسعني الوقت للاختلاط بهما كثيرا اثناء الورشة ولكن كنت حاسة بأوقات كثيرة انكما معي على الخط وعارفين ما الذي كنت اقصده واعنيه بكلامي خصوصاً في النقاش الذي دار حول موضوع اللغة
من ناحية اننا قادمون من كوكب آخر فلسنا كذلك بالطبع وبرأيي اننا بحاجة للمدونين باللغتين (العربية والانجليزية) .. بالنسبة لي فأنا أكتب لنفسي اولاً ومن ثم للآخرين وأعتقد بأن فضاء الانترنت يتسع للجميع
تحياتي وشكرا لمرورك
فعلا للأسف لم يسعفنا الوقت كثيرا
وأنا أرى أن تدوين المرء لنفسه هو أصدق تدوين وهذه هي روعة التدوين الشخصي من الأساس
لا تشكريني فأنا أمر منذ زمن ولكني لا أعلّق 🙂