أحلام مستغانمي .. ثقافة الجمل الجميلة
قلما أحب كاتب ما وأحب كتاباته في آن واحد ولكن هناك اسباب كثيرة تجعلني أحب شخصية الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي وأظن أنني سأحبها أكثر في الايام القادمة ولاتسألوني عن الاسباب
أحلام اطلقت في يوليو الماضي كتابها الجديد “نسيان كوم” وقد بدا الاسم غريبا بالنسبة لي فظننت في البداية ان عنوان الكتاب هو نيسان كوم نسبة لشهر نيسان ولكنني أدركت فيما بعد ان العنوان هو نسيان كوم لسببين الاول هو ان موضوع الكتاب عن النسيان وكلمة “كوم” كانت اضافة ذكية من الكاتبة لتصبح الكلمة النهائية نسيانكم وكأنها تتحدث بلسان جميع النساء اللاتي ينشدن نسيان قصص الحب الموجعة، اما السبب الآخر فهو ان الكاتبة قد دشنت موقعا الكترونيا بنفس الاسم يتضمن ميثاق شرف انثوي اشارت اليه في نهاية كتابها وطلبت من من قارئاتها ان يوقعن عليه وان يتعهدن بالتالي
دخول الحب وهن على ثقة تامة بأنه ما من وجود لحب ابدي
إكتساب حصانة الصدمة وتوقع كل شئ من الحبيب
عدم البكاء بسبب رجل، فلا رجل يستحق دموعها ومن يستحقها لم يكن ليرضى ان يبكيها
ان تحب كما لم تحب امرأة وان تكون جاهزة للنسيان كما ينسى الرجال
ميثاق شرف أشك ان اي امرأة قادرة على الالتزام ببند من بنوده فأحلام نفسها تعترف ان المشكل الحقيقي سيكون في صعوبة حكم ملايين النساء الحمقاوات اللائي لايمتثلن للتعليمات، ولايعرفن ماذا يردن بالضبط من الحياة. هن منخرطات في حزب النسيان وعينهنّ على الرجال. يقلن لا ويضمرن نعم. ومع ذلك فإن الكاتبة وحسب ما ذكرت في كتابها تطمح لجمع أربعين ألف توقيع نسائي بعدد نسخ الطبعة الاولى من الكتاب وتستدرك .. “الا اذا قام الرجال بشراء نصف الكمية من النسخ عن فضول او لمصادرة حقنا في النسيان” .. ولم لا؟ فعلى غلاف الكتاب كُتب باللون الاحمر ووسط دائرة حمراء “يحظر بيعه للرجال” عبارة كفيلة بفتح شهية وفضول اي رجل لإكتشاف فصول الغباء في حياة النساء
تقول أحلام في مقابلة أجرتها معها وكالة فرانس برس ان فكرة الكتاب انطلقت من صديقة لها تعيش قصة فراق موجعة، كان الرجل الذي تحبه يتصل بها يوميا عند التاسعة صباحا وبأنها ظلت حتى بعد ان افترقا تستيقظ يوميا في الوقت نفسه. وحتى تخرج هذا الشهريار من رأسها راحت أحلام تتصل بها يوميا في الساعة نفسها لتروي لها كل يوم قصة كما كانت تفعل شهرزاد مع فارق انها ترويها لها نهارا
الكتاب ليس رواية ولايمكن تصنيفه ايضا ضمن كتب المساعدة الذاتية التي تلقى رواجاً كبيراً في الغرب لافتقاره للتحليل وللمعايير العلمية الاساسية وأحلام لاتنكر ذلك وتصنف كتابها ضمن الكتب التي تتضمن الكثير من النصائح الطريفة للمرأة وبأنها قد كتبت هذا الكتاب وهي تضحك .. هل هناك اعتراف أجمل من هذا؟
الكتاب يتضمن ايضا عشر قصص ادرجتها احلام في فصل أخير تحت عنوان “من قصص النساء الغبيّات” كان أجملها القصة العاشرة والاخيرة، كما أرفقت بالكتاب اسطوانة مدمجة جمعت فيها بعض قصائدها بصوت الفنانة اللبنانية جاهدة وهبة تحت عنوان “ايها النسيان .. هبني قبلتك”. وبغض النظر عن رأيي الشخصي في صوت الفنانة جاهدة وهبة الا انني ارى ان الفكرة في حد ذاتها مبتكرة وذكية وأتوقع ان يقوم كتّاب عرب آخرون بتقليدها فيما بعد
أعرف ان البعض – أكثر هؤلاء “البعض” من الرجال – لايستسيغون ادب ولاكتابات أحلام مستغانمي ولكنني وكما صرحت من قبل ودون ادنى شعور بالخجل او بالانتقاص من وزن ثقافتي او ثقافة من اقرأ لهم ان الجمل العميقة واللافتة بين السطور كثيراً ما تجتذبني لأي عمل ادبي اقرأه وبأنها قد تكون خلاصة العمل كله، وهاهي أحلام تؤكد ذلك من خلال وصفها لثقافتها بثقافة الجمل الجميلة وبأنها قد تصنع كتابا من جملة قد تأخذها من سائق تاكسي لان هذه هي فلسفة الحياة بالنسبة لها، ولانها فلسفة الحياة ايضا بالنسبة لي فقد أخترت لكم بعض هذه الجمل الجميلة من كتابها
أشياء تطاردها
وأخرى تُمسك بتلابيب ذاكرتك
أشياء تُلقي عليك السلام
وأخرى تُدير لك ظهرها
أشياء تودّ لو قتلتها
لكنّك كلّما صادفتها
أردتك قتيلً
الكل يخفي خلف قناعه جرحاً ما، خيبة ما، طعنة ما
ينتظر أن يطمئن إليك ليرفع قناعه و يعترف
ما استطعت ان انسى
أول قرار: إغلاقك كل قاعات الترانزيت في حياتك
الالم يستيقظ متأخراً، انه يعيش طويلا بعد الذكريات الجميلة
النساء دائما ماتقلق على الاشياء التي ينساها الرجال والرجال دائما ما يقلقون على الاشياء التي تتذكرها النساء
امام هذه البذلات المعلقة التي هي في متناول جيبي وماعادت في متناول قلبي بكيت، فقد تأكد لي حينها موته. الميّت هو الذي ما عاد بإمكانك ان تعطيه شيئا، لكن مازال بإمكانه ان يعطيك ماشاء من الألم
عندما تلجأ إلى حب جديد لتنسى حباً كبيراً، توقع الا تجد حباً على مقاسك. سيكون موجعاً كحذاء جديد. تريده لأنه أنيق وربما ثمين . لأنه يتماشى مع بذلتك، لكنه لايتماشى مع قلبك ولن تعرف كيف تمشي به. ستقنع نفسك لمدة قصيرة او طويلة انك ان جاهدت قليلا بإمكانك انتعاله. ستدعي ان الجرح الذي يتركه على قدمك هو جرح سطحي يمكن معالجته بضمادة لاصقة. كل هذا صحيح لكنك غالبا ما لا تستطيع ان تمشي بهذا الحذاء مسافات طويلة. قدمك لاتريده، لقد أخذت على حذاء قديم مهترئ .. مشت به سنوات
الحب اصلا اذى، لانك لاتتناولينه بجرعات محدودة. تكثرين من الحبيب وتدمنينه فتتأذي به وتؤذيه لفرط حاجتك الدائمة والمتزايدة إليه ثم تتمردين عليه وتهجرينه فتمرضين به وتتسببين في مرضه وفي هذه الحالة فقط أغفر، عندما من يؤذيك حباً يفوقك عذابك به
يالله كم الفرح أناني وكم الحب لامبال! حين يجئ الحب بسعادته الخرافية تلك، تنسى الاخت اختها والصديقة صديقتها ويتنكر الاب لاولاده والاولاد لأمهم
سحرني الموقع (:
وابتعتُ الكتاب
وأظنني سأسحر أكثر مع عذوبة الألحان
شكراً لليد التي قادتني لهذا الكتاب
شكراً سعاد
صباح التاسعة يا سعاد
قرأتُ (نسيان-كم) لحاجة أن أقرأ من جديد من دون نية نسيان. قرئتهُ لحاجتي بأن أعيد الحياة لهذا الرف الذي اغبر مع السنوات بغراميات عبير وأحلام (روايات أحلام من دار الفراشة حتى لا نشتبه مع اسم أحلام آخر ^_^ ) وصولاً إلى فوضى الحواس وسقف الكفاية ومئة عام من العزلة وأخيراً (نسيان-كم). ترين الهوة في ما بين قرائتيّ القديمة والحديثة، أحداث كثيرة أوقفتني عن القراءة والاستسلام للكتابة الذاتية. خسرتُ أعوام القراءة لأعوام الكتابة، ونسيتُ أن أقرأ بقدر ما أكتب.
هذا النسيان ليس حرياً أن يكون لنسيان رجلٍ فحسب، بل لنسيان كل ما يجب نسيانه! (هذا تمرد القارئ على نسيان بطل الكتاب وشمل كل البطولات الأخرى الواجب نسيانها!)
جميلة هذه الساعات الست المتواصلة التي التهمت معي الكتاب بالصمت والضحك حيناً ولأبدأ هذا النسيان لآلام الكون تدريجياً (فالرجل جزء صغير من هذا الكون)
دعوة النسيان في هذا الكتاب كانت تحدثني بنسيان أكبر من رجل.
شكراً لأحلام ولكِ وللنسيان.
Cloud7
أولا: عذراً على تأخري في الرد، فتعليقاتك تحتاج لمزاج (رائق) مثلها
ثانياً: سأقول لك رأيي بصراحة في مسألة القراءة، منذ ايام كانت احدى السيدات المثقفات تنتقد ابنتها المراهقة التي تواظب على قراءة الكتب البوليسية وقصص الحب التي تعد في نظرها كتب سطحية وغير مفيدة فتدخلت في الحديث وأخبرتها بكل صدق وشفافية انني لم أكن احسن حالاً من ابنتها في مراهقتي فقد قرأت جميع روايات الحب ابتداء بإحسان عبدالقدوس ونجيب محفوظ وانتهاء بيوسف السباعي إلي جانب سلسلة روايات أجاثا كريستي. اما بالنسبة للروايات البوليسية فقد كنت اقرأ الغاز المغامرون الخمسة التي اجزم بإنكِ لم تسمعي بها قط 🙂 هي مجموعة روايات بوليسية للاولاد كانت تصدر عن دار المعارف بمصر .. اسماء ابطالها في حد ذاتها مضحكة .. تختخ وعاطف ولوزة ونوسة (بحثت في قوقل عن الاسماء لاني نسيتها) كان أخي الاكبر مواظباً علي شراءها وكنت اقرأها بعده
لاأرى ما هو غير عادي في الهوة التي تتحدثين عنها والفارق بين قراءاتك القديمة والحالية فلكل مرحلة في حياتنا مايناسبها ثم ان القراءة متعة وليست معرفة فقط
بالنسبة لكتاب أحلام الجديد فهو كتاب خفيف وممتع .. أسلوب أحلام في هذا الكتاب مختلف فهي تقترب كثيرآ من قارئاتها بحيث تجعلك تشعرين في لحظة ما انها يمكن ان تحل مكان احدى صديقاتك فتبوحي لها بإسرارك وقصصك .. ويمكن ان تكون كأوبرا وينفري التي تستضيف بعض الشخصيات النسائية في برنامجها ليتحدثن عن تجاربهن والآمهن .. انها مجرد امرأة عادية تتفهم مشاعر امرأة أخرى مثلها
ولكن لم تعجبني الاغنيات المرفقة بالكتاب .. أعني القرص المدمج .. الفكرة جيدة كما ذكرت ولكن الغناء كان متصنعاً .. لم اتفاعل مع كلمات احلام المغناة لأن اداء/صوت جاهدة وهبة لم يتسلل إلى قلبي
لديكِ نظرة جميلة ومتعمقة لبعض الامور وقد اعجبني تشخيصك للنسيان ولكتاب احلام علي انه تمرد القارئ على نسيان بطل الكتاب وشمل كل البطولات الأخرى الواجب نسيانها
صباح الواحدة بمزاج رائق (:
للأسف لم أقرأ تلك القصص التي قرئتها في زمن المراهقة. لكنني أذكر بأن أمي اقتنت لي سلسلة القصص الخضراء كلها التي للأسف أضعتها، وسلسلة حديقة الطفل المكونة من 40 قصة وما زلت احتفظ بها وأذكر أنني أحببت منها أميرة البرتقال وبنت أمير الشمس وتتميز برسوم لأحداث القصة من دون اعطاء الكتاب طابع كاركاتيري. سلسلة الأنبياء وكتب أخرى ضاعت في زحام السنين والتنقل. حلت بعدها قراءة مجلات العربي التي يبتاعها أبي وعندها بدأ شغفي للكتابة ينمو.
فعلاً كانت القراءة متعة قبل أن تكون معرفة. بيد أنني عندما أنظر إلى الروايات العاطفية القديمة (روايات عبير التي كانت تصدر في الثمانيات لكاتبات أجنبيات معروفات) والروايات العربية للكاتبات العربيات المعروفات أرى هوةً إن أسقطنا عامل الزمن. أشعر بأن ثمة اثنتين مختلفتين تتقاسمان ذات رف الكتب ومنها من الطبيعي أن أرى هوةً ما.
أتفق معكِ بأن كتاب أحلام خفيف وممتع. بعضه جعلني أضحك بصوتٍ عالٍ لأن الكاتبة تسللت إليّ بمزاجها العالي حتى صرتُ افلسف بعض الأمور بطريقتي التي بدأت فعلاً تضحكني نفسي!
عن الأغاني المرفقة بالكتاب، فأنا استسغت بعضها فقط. الأغنية 1 بها عبق لحن أيام قديمة .. تبدو لوهلة كأنها تسللت من زمن الأبيض والأسود وبضعة ممن يشبه رشدي أباظة وتساؤل إن كان الروج التي تضعه ليلى مراد أحمر أو وردي لأنه في الشاشة أسود على طول وأبناء الحارة ينشرون الثياب على السطوح وأبناء الجيران يرددون كلمات الحب العذرية وبائع الفول يبيع الفول وبائع الكشري يبيع الكشري .. بالمختصر الزمن الجميل الذي لم نعش به.
أحببت الالقاء في المقطوعة 4 لأنه ينادي النسيان وأيضاً لأن هذا السطر تسلل إليَ (امرأة يوماً مثلي بكت من رجلٍ كم يشبهك). ترافقني المقطوعة تقريباً كل يوم حتى يحين زمنٌ أظنني سأكره الاسطوانة لكثرة تكرار المقطوعتين.
أخيراً: أليس جميلاً أن نهدي نسياننا للبطولات الأخرى ونقدم للرجل ما لم يخترعوا له اسماً لأنه تعدى مبادئ النسيان؟
أقول هذا بعد أن رميتُ ببعض الأشياء التي كان يجب أن أتخلص منها منذ زمنٍ بعيد، حتى أنني لم أسمع ذاك الصوت الذي يقول بأنني سأندم عندما يأتي يومٌ يأخذني الحنين إليها (:
Cloud7
كلامك عن النسيان ذكرني بما قالته أحلام في قصر اليونسكو في بيروت في اليوم الذي اطلقت فيه كتابيها “نسيان كوم” و”قلوبهم معنا وقنابلهم علينا” حيث قالت: صار ضرورياً تأسيس حزب عربي للنسيان .. اراهن ان يجد هذا الحزب دعماً من الحكام العرب لأنهم سيتوقعون منا ان ننسي منذ متى وبعضهم يحكمنا”. لو اردنا ان نهدي النسيان فلن يستغرق منا ذلك الكثير من الوقت او التفكير
الا الكتاب اروع مايكون وانا بكو ن سعيدة عندما اجد رجلا يقراه بحيادية
كل مانقوله عن نسيان قليل لابد من ان يتم وضعه بالصيدليات وعلى روشتات الاطباء
عسى يعتمد دواء رسميا للحب بل امل
أول كتاب قرأته لأحلام و لن يكون الأخير بالتأكيد
بصراحة أعتبره رقية أو تعويذه من المفترض أن نرجع إليها نحن النساء لنسيان كل مايؤلمنا 🙂
طرحك للكتاب جميل . أتمنى أن أعيد قراءة الكتاب لاستمتع بمراجعتك أكثر
تحياتي