Archive for February, 2009

مظلة وحذاء مبتل

Posted on 2009 02, 18 by Suad

wetshoes

تخبرني سارة كيف كان عيد الحب مضجرا بالنسبة لها هذا العام وكيف تورمت اصابع قدميها من المشي والتنقل بين محلات التحف القديمة ومخازن الاثاث التي اصطحبها والدها اليها صبيحة عيد الحب .. تقول سارة تفنن والدي وبشكل متقن في اضاعة اليوم او ربما في اضاعة ذاكرته المثخنة بجراح الخيانة

قلب سارة الاخضر لم يعتد بعد على حياة الانقسام والتشتت بين زوجين جمع بينهما الحب وفرق بينهما الغدر .. قلت في نفسي انها القصة المعتادة .. المظلة والحذاء المبتل .. التاريخ يعيد نفسه مخلفا وراءه الآف القلوب المعطوبة .. والحذاء المبتل قد يُستبدل بحذاء آخر ربما يكون اكثر اهتراء من الأول  .. حبيب او حبيبة .. زوج او زوجة .. صديق او صديقة .. لايهم من يتحول في حياتنا إلى حذاء مبتل ومن يكافئ مظلة الحب بعواصف الغدر .. المهم ان الاحذية المبتلة والمهترئة لاتصمد طويلا ولاتتحمل السير ولا غزارة المطر

قلت لسارة لايهم ان فقدتِ يوما مظلتك او اضطررت ان تتخلى عن حذائك .. الاهم ان لاتنسى ان لديك قدمين على الارض .. تابعي السير حتى لو كنِت حافية القدمين فضحكت سارة وقالت: دعكِ من الاحذية والمظلات، اريد ان ألمح الحب والسعادة في عيون ابي .. لا أريده ان يمضى حياته مطلق ووحيد فقلت: وماذا لو لم تستطيعي التآلف مع المرأة الأخرى؟ ماذا لو ان مظلتها لا تتسع لقلبك وقلب والدك معا؟ فضحكت سارة مجددا وقالت: حينها سأصبح سندريلا

آه ياسارة … لو تعلمين مقدار مقتي لقصة السندريلا الذي قد يضاهي مقتك للتسوق في محلات الاثاث ان لم يتفوق عليه.. لو تدركين كم هي ذكورية ومستفزة حكاية الفتاة الضعيفة التي تنتظر الأمير الفارس لينقذها من براثن الظلم والفقر .. هل تعرفين عدد الامراء والفرسان الذين يستبدلون سندريلاهم اليوم بأخرى حتى وان لم يتطابق مقاس قدمها مع فردة حذاء فتاة احلامهم؟ هل تعرفين كم سندريلا تغير اميرها اليوم مثلما تغير احذيتها؟ .. ستقولين الاحذية مجددا؟؟ لابد انك لا تعلمين مقدار تربع الاحذية على عرش قلوب النساء .. الم أخبرك عن  قصة مصمم الاحذية الايطالي الشهير مع المتيّمات باحذيته اللاتي احتشدن امام بوتيكه منذ الصباح الباكر ليحظين بشرف توقيعه على احذيتهن؟ الم أخبرك كيف احتضّن الفتيات والامهات زوج الاحذية الممهور بتوقيعه بلهفة وشغف كما لم يحتضن ابنائهن او ازواجهن من قبل؟

اعذريني ياسارة فقد اقحمتك مجددا في قصص الاحذية والمظلات ولكن حينما تهب رياح الغدر العاتية فلن يستطيع ايقافها شئ .. وحينما يهطل المطر جربي ان تنسي امر مظلتك وحذاءك وفكري لماذا لاترتدي الطبيعة مظلة ولاحذاء .. لماذا تستقبل كل ما تمنحها الارض او السماء دونما اعتراض .. كل شئ يحتاج الى التجدد والبلل ياسارة حتى قلب والدك المعطوب

Share

ذاكرة المكان

Posted on 2009 02, 13 by Suad

tomonori

كان الجو ممطرا وكنت قد وصلت لتوى لمحطة كوفنت جاردن في العاصمة البريطانية .. تفقدت مظلتي فلم أجدها ولم استطع ان استذكر ان كنت قد نسيتها على المقعد في القطار او انها قد سقطت مني دون ان اشعر اثناء الازدحام .. كانت المرة الاولى التي ازور فيها حي كوفنت جاردن والمرة الأولى التي أكون فيها بمفردي بعد ان غادرت رفيقتي في الرحلة مبكرا

بعد ان تخطيت منطقة الحواجز في المحطة وبينما كنت اسأل احد المارة عن المكان تناهى إلى سمعي لحن موسيقي .. العزف كان حزينا ومؤثرا جدا لدرجة انه جعلني أتسمر في مكاني لعدة دقائق  .. توقعت انها مقطوعة موسيقية مسجلة تصدح من احد المتاجر الموسيقية التابعة لدار الأوبرا الملكية او من مطعم مجاور ولكن حينما غادرت المحطة استطعت ان اتوصل إلى مصدر الصوت ..  كان توم هناك مفترشا ارضية الشارع المقابل .. الحقيبة السوداء التي تحتضن آلته الموسيقية خالية إلى جواره بينما هو منسجم مع لوحة المفاتيح التي تعزف اصابعه عليها بمهارة تنافس أشهر العازفين العالميين .. في غضون دقائق احتشد المارة من حوله ولكنه كان كمن يعيش في عالم آخر .. ورغم برودة الجو ورذاذ المطر فأن المارة لم يفكروا بالانصراف، التزم الجميع بأماكنهم حتى النهاية وكنت معهم ولكني لم استطع ان اهين هذة الموهبة الرائعة كغيري بإلقاء بعض القطع النقدية في الحقيبة السوداء .. أقتربت منه وسألته عن أسمه وبلده وعن كيفية الحصول على البوماته اذا كانت متوفرة في الاسواق واندهشت كثيرا حينما عرفت انه يؤلف ويسجل مقطوعاته بنفسه ويبيعها لمن يرغب فلا شركة انتاج ولا جهة تسوق اعماله .. زودني بنسخة من المقطوعات الموسيقية التي يعزفها والتي يبدو انها أول اعماله وببطاقة تعريفية تحمل اسمه ورقم هاتفه وعنوانه في طوكيو أخذتهما منه ومضيت في طريقي

كان ذلك في أكتوبر عام ٢٠٠٣ واذكر انني بعد ان عدت إلى البحرين بحثت عن اية معلومات عنه فلم أعثر على شئ اذ يبدو ان تومونوري او توم كما يحلو له ان يسمى نفسه مجرد فنان مغمور لايعرفه سوى المارة والمسافرين الذين يجوبون الاحياء والمحطات التي يتوقف للعزف فيها

البارحة واثناء بحثي عن فيلم المليونير المشرد على اليوتيوب عثرت على فيديو قام بتصويره احد المارة لتوم وهو يعزف في محطة كونيتاتشي في طوكيو والكلمة المفتاح كانت كوفنت جاردن، المكان الذي انطلقت منه وقائع حفل جوائز بافتا للسينما البريطانية الذي أقيم في دار الاوبرا الملكية والذي حاز فيلم المليونير المشرد من خلاله على سبع جوائز

حينما تذكرت كوفنت جاردن لم تحضرني ذكريات دار الاوبرا ولا اسواق التحف والهدايا ولا حتى تاريخ المكان الذي يعود للامبراطورية الرومانية. كوفنت جاردن اصبحت مرادفا لرذاذ المطر .. لتوم .. لتللك المقطوعة الموسيقية الرائعة التي ارتبطت في ذهني بالمكان .. غريب أمر بعض الذكريات حينما تطغى على كل التفاصيل الاخرى لتصبح الهوية الرسمية والوحيدة التي نستدل بها على الاماكن

فيلم المليونير المشرد قادني لبطاقة تومونوري التي فقدتها قبل خمسة اعوام فأرسلت لتوم رسالة الكترونية لم أكن واثقة انها ستصله، وفي اليوم التالي وصلني رد توم، أخبرني انه لازال حتي اليوم يمارس هوايته في العزف للمارة في المحطات الا ان مجموع ما انتجه قد أصبح خمسة البومات بما في ذلك البوم ميراج الذي احتفظ بنسخة منه ووعدني بأن يرسل لي الالبومات الاربعة الأخيرة خلال الاسبوع المقبل

توم بدا غير مصدقا ان احد المارة تذكره بعد مرور خمسة اعوام من لقاءه به امام احدى المحطات خارج بلده وانا لم اكن مصدقة كذلك ان فيلم المليونير المشرد سيعيد لي ذكريات يوم ممطر في كوفنت جاردن وان كل لحظة بحث كما قال باولو كويليو هي لحظة مواجهة او التقاء بشخص او شئ غير متوقع

Share

« Older EntriesNewer Entries »