ورشة العمل التدريبية للمدونين والإعلاميين المستقلين العرب – 1

Posted on May 13, 2008 by Suad

 

 

قبل ان أحضر ورشة العمل التدريبية للمدونين والإعلاميين المستقلين العرب للتجاوب مع الإيدز والتي نظمها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي/ البرنامج الإقليمي للإيدز في الدول العربية (هارباس) في القاهرة، كانت لدي الكثير من المعلومات المغلوطة حول مرض ومرضى الإيدز (نقص المناعة المكتسبة) فتهويل وسائل الاعلام من جهة وشح المعلومات المتوفرة عن فيروس ومرض الإيدز في العالم العربي من جهة أخرى خلق مجموعة من الخرافات التي أرتبطت بمرض ومرضى الإيدز لفترة طويلة من الزمن.

وعلى مدى الاربعة ايام التي أستغرقتها ورشة العمل تجاذبتني مشاعر مختلطة من التعاطف والحزن والحنق ففي لحظة ما تناهت إلى ذاكرتي صور تمييز كثيرة شهدتها لبعض الاصدقاء والصديقات.  لم يكن أحدا منهم مصاب بالإيدز ولكنهم كانوا مرضى والمرض في مجتمعنا العربي وصمة تلحق بصاحبها بعض اشكال التمييز والعنصرية والتنكيل في بعض الاحيان.  فأحد زملائي في عملي السابق لم يتم تثبيته في الوظيفة التي أستمر فيها لمدة ثلاث سنوات لأنه كان يعاني من السمنة وأذكر ان طبيب العيادة التابعة للشركة أخبره بأنه لن يتم تثبيته مالم ينقص وزنه لأن السمنة مرتبطة بضعف الانتاجية وقابلية الاصابة بالأمراض المزمنة.  ببساطة ضاعت ثلاث سنوات من عمر زميلي المهني بسبب السمنة أما صديقتي التي توفت مؤخرا بسبب مرض السرطان فقد عانت كثيرا في الفترة التي سبقت وفاتها لإثبات قدرتها على العمل حتى آخر رمق، ليس ذلك فحسب فطيلة فترة مرضها التي أمتدت لسنوات لم تستطع أن تترك عملها وتلتحق بآخر حتى بعد إنجابها لطفل وتزايد مسئولياتها ووطأة المرض عليها لأن احدا لن يقبل بتوظيف شخص مصاب السرطان.

في جلسة مكاشفة ضمن حلقة من المشاركين في الورشة طُلب منا ان نعبر عن مشاعرنا في تلك اللحظة في كلمات موجزة فقلت:  متضايقة .. مخنوقة وأتمنى ان تنتهي هذه الجلسة سريعا، فهذا ما شعرت به بالفعل أثناء بعض الجلسات وخصوصا بعد ان روت عائشة – وهي متعايشة مع الإيدز – قصتها المؤلمة مع فيروس الإيدز وما لحق بها من وصم واذى نفسي ومادي من المحيطين بها بسبب إصابتها بمرض ليس لها يد فيه وسأروى لكم قصة عائشة في تدوينة منفصلة.

لا أعرف من أين أبدا فالموضوع شائك وطويل وورشة العمل التي تضمنت خمسة وعشرون جلسة مكثفة تناولت الموضوع من جوانب مختلفة يصعب حصرها في تدوينة أو أثنتان ولكني سأحاول قدر الإمكان ان أركز على الحقائق والامور التي لفتت أنتباهي.

الإيدز في الدول العربية .. حقائق وأرقام

هذه الجلسة التي قدمها الدكتور ايهاب الخراط بالمشاركة مع الدكتورة خديجة معلى فتحت عيناي على أول الحقائق والمعلومات المغلوطة عن مرض الإيدز مدعمة بالأرقام والاحصائيات، احصائيات تعكس تزايد المرض وتناميه  بصورة مخيفة منذ عام 1980 وتُناقض الكثير من المفاهيم والشائعات التي كان يتم تداولها سابقا.

فعدد المتعايشين مع فيروس الإيدز حول العالم بلغ 39.5 مليون متعايش حتى عام 2006 ، منها 4.3 مليون حالة جديدة خلال 2006 فقط. في حين بلغت نسبة الوفيات 2.9 مليون شخص في عام 2006، اما نسبة المصابين بفيروس الإيدز الذين لا يعلمون بأنهم مصابين به فقد تم تقديره بـ 90%.

في الدول العربية يصاب شخص بفيروس الإيدز كل عشر دقائق ويبلغ عدد المتعايشين بفيروس الإيدز في منطقة الشرق الأوسط وجنوب أفريقيا  460 ألف متعايش منهم 68 ألف حالة جديدة خلال عام 2006 ، في حين وصل عدد الوفيات إلى 36 ألف خلال العام ذاته. ومن هذه الاحصائية يبلغ عدد النساء المتعايشات مع الفيروس 48% والحقيقة المفجعة فعلا ان 80% من هؤلاء النساء أنتقل اليهن المرض عن طريق ازواجهن.

ولاحظوا هنا ان المصطلح المستخدم والشائع هو(متعايش) وليس مصاب أو مريض، فالمصاب بفيروس الايدز اليوم يستطيع ان يتعايش مع الفيروس لمدة طويلة وفرص بقائه على قيد الحياة تفوق مرضى السرطان أو التهاب الكبد الوبائي. فمنذ العام 1996 تم اكتشاف مضاد يبطئ من تطور المرض ويُحسن فرص المريض في البقاء على قيد الحياة لمدة قد تصل إلى عشر أو حتى عشرين عاما ومع ذلك فإن 5% فقط من المصابين بالفيروس في منطقة الشرق الأوسط وجنوب افريقيا يحصلون على هذا المضاد مقارنة بـ 75% في امريكا اللاتينية والدول الكاريبية.  أحصائية أخرى تعكس تجاهل وتنكر مجتمعاتنا لحقيقة واقعة وهي تفشي فيروس الإيدز في بلداننا العربية فبخلاف السودان الذي لا تتوفر فيه كميات كافية من المضاد لحالات الإيدز الموجودة هناك فإن جميع الدول العربية الأخرى يتوفر فيها العلاج ومجانا لمرضى الايدز الا ان نكران المرض بسبب المفاهيم الإجتماعية الخاطئة يحول دون حصول هؤلاء المرضى على العلاج.

وحسب ما تفضل به المحاضران الدكتور ايهاب والدكتورة خديجة فأنه يتوفر حاليا وفي معظم الدول العربية مراكز للفحص وتقديم المشورة بشكل سري وهناك نية لفتح مراكز مماثلة في قطر والبحرين والامارات.

هناك اعتقاد شائع في بلادنا العربية والخليجية بشكل خاص ان العمالة الوافدة هي سبب تدفق الامراض والاوبئة وقد أثبتت الدراسات والاحصائيات بأن العمالة الوافدة تصاب بفيروس الايدز بعد ان تصل الى منطقتنا الخليجية وليس العكس.  هناك اعتقاد آخر بإن المثلية الجنسية تؤدي إلى الاصابة بفيروس الايدز والحقيقة ان الإيدز ينتقل بسبب إصابة احد الطرفين بالفيروس سواء كان الطرفان رجل وامرأة ام من الجنس ذاته! 

الوسيلة الرئيسية لانتقال الفيروس في المنطقة العربية هو الاتصال الجنسى غير الآمن على الرغم من أن تعاطي  المخدرات بالحقن تمثل عاملا متزايد الأهمية.  والسبب الرئيسي لانتقال الفيروس في البحرين هو تعاطي المخدرات بالحقن ثم الجنس غير الآمن اذ ان تعاطي المخدرات بالحقن إستحوذ على 67% من مجمل حالات الايدز وذلك حتى عام 2000.  وبلغ عدد المتعايشين مع فيروس الإيدز في البحرين 279 متعايش.

الإيدز في مجتمعاتنا العربية مرتبط بالموت والجنس والخزي والاخلاقيات مما أدى بدوره الى وصم المصابين به ونبذهم من قبل المجتمع والسؤال الذي يطرح نفسه: من منا غير معرض للإصابة بالفيروس؟  فإن أستقمت أنت وأخلصت للشريك فهل تضمن إخلاصه لك؟  وإن لم تقرب يوما من المخدرات هل تضمن بإنك لن تتعرض لنقل دم ملوث إن لم يكن في بلدك ففي بلد آخر تذهب للعلاج فيه؟ من منا  يشكل جزء من الـ 90% المصابة بالفيروس وتجهل إصابتها به؟

لا أقول ذلك لكي أخيفكم ولكن ربما لتتذكروا قبل ان توصموا أي مصاب بالإيدز أو ترجموه بالحجارة بأن ليس كل مصاب بالأيدز شخص منحرف أو مارس الرذيلة، وحتى وإن فعل ذلك فإن الرحمة والتوبة بابان مشرعان من الخالق فمن نحن حتى نغلقهما بوجوههم؟؟

Share

Comments

  • ملاذ on May 14th, 2008

    صباحك سكر شقيقة،

    تشكرين على هذه المعلومات و الحقائق القيمة، فعلا كثيرين تنقصهم الثقافة عن هذا المرض و غالبا ما يصدرون أحكام تنبع من جهل.. شكرا لك

    عني، حضرت ورشة عمل مع جلسة (ميديتيشن) في كيف تحارب القلق؟.. و تمللت شوي! حسيت إني بناااام و اختنقت من قلب.. بالله عليش ، أني مال ميديتيشن هيههيهيهي.

    “لا تنسي الوردة الحمرة

    ههههههههههه

    امنياتي و دعائي

    ملاذ

  • Butterfly on May 14th, 2008

    الحق يقال ان المنظمين بذلوا جهدا كبيرا للألمام بالموضوع من مختلف وجهات النظر والتجمع كان رائع ويضم مدونين ومخرجين ومصورين واعلاميين من مختلف الدول العربية.

    لم أشعر بالملل من الورشة فقد تضمنت ورش العمل موضوعات متنوعة بعضها ليس له علاقة مباشرة بالإيدز مما أبعد الرتابة عن الجلسات. الضيق والإختناق كان مصدرهما العيش ولو لفترة ضمن دائرة الذكريات والافكار التي حملتها موضوعات الجلسات وجعلتني أشعر بالحزن والغضب لإنتهاك مجتمعاتنا ابسط مبادئ حقوق الانسان.

    بالنسبة لفكرة الوردة الحمرة قد أعدل عنها فربما لن أحتاج اليها 🙂

Leave a Reply

Name

Email

Website

*