لحظة غادر فيها الأمل
كنجمة متلألئة رأيتك تهوين في قاع البحر ..ترحلين في مساء ممطر حزين كمساءاتك .. في يوم هادئ وجميل كجمال روحك .. خاتمة العمر المتبقي رغم أني حتى الآن أكاد لا أصدق أنها كانت الخاتمة .. المرة الأخيرة لصوتك .. لعذاباتك .. لرحلة مرضك القاسية والطويلة.
لم يكن بوسعي التصديق أن المرض قادر على انتزاعك منا في يوما ما، حتى حينما أتاني صوتك حزينا مودعا على الهاتف معلنا أنها الأيام الأخيرة .. حتى حينما هاتفتك بالأمس ولم يصلني ردك تخيلت أي شي وكل شئ إلا أن تكون النهاية .. أغروقت عيناي بالدموع ولم أعي حينها هل كنت أبكيك أم أبكي نفسي أم أبكي هذا القدر الذي ينتزع منا الأطيب والأروع والأقرب، أرثيك أم أرثي الوحدة .. الأحباب والأصدقاء الذين صرت أفقدهم الواحد تلو الآخر.
ترى كيف سيألف محمد الحياة بدونك وكيف سيستقبل نهاره دون أن تطوقه ذراعيك .. كيف سيصمد قلبه المريض أمام مفاجأة فقدانك؟
أكتب هذه السطور رغم علمي أنك لن تستطيعي قراءتها يوما كما قرأتي سابقتها.. قد تدركين أو لا تدركين الأثر التي تركته في قلوبنا جميعا .. كل من كانوا يوما حولك ولم تسنح لهم فرصة وداعك بأننا أحببناك وسنفتقدك كثيرا بمقدار عطاءك وسعة قلبك الذي أتسع للجميع حتى في أحلك وأصعب لحظاتك .. فإلى جنة الخلد يا إيمان .. تغمد الله روحك بواسع رحمته وغفرانه.
شيئان لو بكت الدماء عليهما
عيناي حتى تؤذنا بذهابي
لما بلغا المعشار من حقيهما
فقد الشباب وفرقة الأحباب
لعلي أدعي كذبا او صدقا، أنني أفهم شعورك، شعور الفقد، شعور التعلق بشخص وفقدانه، عندما توفي والدي يرحمه الله لم أبكي كثيرا، فقد أعطانا مرضه التوقع بأنه راحل قريبا ، ربما كانت الأدوية تطيل في عمره، ولكنها تطيل في ألمنا البطئ، وتهيئنا للفراق
ودعته كما يودع الصالحون تلك كانت الذكرى الأولى للفقد
هناك ذكريات كثيرة للفقد، وذكراك في فقد هذه الصديقة التي استمرت صداقتها أربع سنين، تذكرني بفقدان صديق استمرت صداقتنا أربع سنين
شابا يافعا مكافحا، كما هي كانت، يعمل في محل
لن أطلب منك أن تستمعي لي ولكن تفكري أن يكون صديقي وعزيز على قلبي، أرى جثته الهامدة بعد غياب يومين فقط، وهي مبضعة وعليها آثار تعذيب وحشي، اعتقلوه لمدة يومين وقضى نحبه، لعلاقتي القوية به وبأهله سمحوا لي أن أدخل المغتسل لأراه، ورأيته، لم أعرف هل أبكي، هل أغضب، هل اسقط مغشيا علي، كل شيء دار في رأسي، حاولت تقبيله لكني لم أع لنفسي إلا وأنا اجرجر خارجا من قبل أهله بغية تهيئته للدفن
كان سيد علي مؤمنا بالله الذي لم أعد أؤمن به، وقدم حياته للوطن الذي لم اعد أحبه
بعدها يا سيدتي
بأسبوع فقط، غادرت البحرين طوعا وبقيت هناك ست سنوات، وأنا أكره هذا الوطن كل يوم أكثر،
مشكلتي يا عزيزتي
أني في كل صباح اتذكر وجهه في المغتسل
وطالما سألت نفسي
متى سيأتي اليوم الذي لا اتذكر فيه الشهيد
عذرا إن أدخلتك في حزني بدلا من مواساتك حزنك، ولكن قرأت موضوعك ونزلت دمعة مني لأنك أعدت إلى ذاكرتي آخر كلمة قالها لي
قال
نلتقي غذا على الغذاء إذا لم نمت
الواقع لم نلتق في اليوم التالي
بل في اليوم الذي بعده ولكنه كان ميتا مسجى كملاك على مغيسل كرباباد