هناك لحظات يستيقظ فيها الماضي بداخلنا ليحثنا على نبش الذكريات .. الصور القديمة .. الارواح التي فارقتنا.. التفاصيل التي تسكن الذاكرة.
كنت أظن أنني أحفظ الطرق المؤدية الى طفولتي عن ظهر قلب .. أزقة المحرق الضيقة .. شرائط المدرسة الخضراء .. البائعات المتجولات .. دروس تحفيظ القرآن .. العجوز التي تبيع كل شئ في مرآب منزلها .. السيدة المجنونة التي تلقي بحاجياتها من شرفة المنزل … ثمار الترنج المتدلية من شجرة باحة بيتنا القديم .. زهور الياسمين التي تصنع منها جدتي عقدا يزين صدرها ومعصميها .. منزلنا القديم في نهاية الممر الطويل قبل ان ينهار صمت الجدران ليفسح المجال أمام حاضر التغيير .. حاضر أضلني الطريق قبل ان أجد ذلك الباب الخشبي الذي مازال صامدا رغم السنوات.
كل الالوان تبدو حاضرة في الذهن رغم سواد الصور .. تستطيع الحياة ان تطمس معالم التاريخ والاماكن ولكنها لا تملك سلطة تغيير ألوان الذاكرة.
في نفس المكان والطريق وقفت على أبواب ماض حزين عاد للتو فلم يجد بإنتظاره أحد .. لا الأزقة .. لا الاشجار .. لا زهور الياسمين ولا قلوب أرتحلت بعد ان أضناها القد.
الصور: مسجد سيادي، بيت الشيخ عيسى بن على آل خليفة، مركز الشيخ ابراهيم بن محمد آل خليفة للتراث والبحوث، بيت عبدالله الزايد لتراث البحرين الصحفي، بيت الكورار وصور متفرقة من محافظة المحرق.
ما أن أنتهت أزمة الرسوم الكرتونية المسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام في الدنمارك حتى بدأت أزمة أخرى في أستراليا حينما نفذت الفنانتان بريسيلا براكس و لوك سوليفان عملان فنيان كان أحدهما عبارة عن رسم لهيئة السيد المسيح ولكن بوجه أسامة بن لادن والآخر تمثال لمريم العذراء ترتدي برقعا مشابها للبرقع الذي ترتديه النساء الافغانيات خلال حكم طالبان.
العملان لاقا أستنكارا واستياء واسعين على المستوين الشعبي والسياسي خصوصا من رئيس الوزراء الاسترالي جون هوارد الذي صرح بإنهما اساءة وإنتهاك صريحين لمشاعر المتدينين في استراليا.
ثم أشتعل فتيل من نوع آخر الشهر الماضي حينما اعتقلت السلطات السودانية المدرسة البريطانية جيليان جيبونز بتهمة إهانة النبي محمد بعد سماحها لتلاميذها باطلاق إسم محمد على دب دمية لتنتهي الأزمة بإطلاق سراح المدرسة بعفو من الرئيس السوداني.
الأزمة الجديدة التي تلوح في الأفق الآن هي فيلم عن القرآن الكريم سيخرجه عضو البرلمان الهولندي عن حزب الحرية اليميني، جيرت ويلدرز، الذي تحدث عن شريطه الوثائقي قائلا بأنه سيكشف عما سماه “مبادئ فاشية” في الإسلام وبإنه سيستعرض مقتطفات من القرآن تلهم الناس على القيام بأعمال شريرة. ويلدرز ذهب بعيدا في عنصريته وكراهيته للإسلام فطالب بحظر القرآن ووقف هجرة المسلمين وإنشاء المساجد في هولندا مناقضاً بتصريحاته هذه أبسط مبادئ الحرية التي ينادي بتحريرها.
في حين أعربت الحكومة الهولندية عن قلقها ازاء ردود الفعل خصوصا بعد حادثة عام 2004 حينما أغتيل المخرج السينمائي تيو فان جوخ على يد ناشط إسلامي في امستردام لإخراجه فيلم خضوع (سبمشن) الذي أعتبرت مشاهده مسيئة للاسلام كما تلقت كاتبة السيناريو الصومالية الاصل أيان هيرسي تهديدا بالقتل عُثر على جثة المخرج القتيل.
الفيلم الذي تقل مدته عن عشر دقائق بقليل سيبث في شهر يناير المقبل والسؤال هو لماذا لم تتحرك حكومات العالم العربي والاسلامي لتعترض على تصريحات البرلماني الهولندي العنصرية أو تطالب بحظر الفيلم بالطرق الديبلوماسية من باب انها تحريض على نشر ثقافة الكراهية والتطرف الذي يقطع عرى التواصل الانساني والتعايش السلمي بين اتباع الاديان السماوية؟ لماذا لا تقوم الجهات المعنية التي تمثل الجالية المسلمة في هولندا بتوعية المسلمين هناك بطرق مواجهة هذه العنصرية والاساءة؟
لماذا الانتظار حتى يخرج الفيلم للنور لتبدأ الرحلة المعتادة من حرق الآعلام والسفارات والمظاهرات ومايلي ذلك من أغتيالات وحوادث مؤسفة تزيد من عنصرية وكراهية الشعوب الأخرى للاسلام والعرب؟ اسئلة خطرت ببالي بعد قراءة الخبر وبعد استرجاعي لموضوع عولمة التسامح الديني الذي تعرض له مؤتمر فكر6 قبل ايام.