Archive for the ‘مُدن وصور’ Category

المحطة الأولى .. تونس الخضراء

Posted on 2009 12, 17 by Suad

المدينة العتيقة

أربعة ايام فقط هي عدد الايام التي أمضيتها في تونس لحضور الاجتماع الإستشاري الإقليمي الذي نظمه البرنامج الاقليمي للأيدز في الدول العربية (هارباس) لإعداد الدليل التدريبي وخطة العمل لتعزيز حقوق النساء في مواجهة الايدز/السيدا. هي المرة الأولي التي أزور فيها تونس والتي أعتقد بأنها لن تكون الأخيرة فخلال هذه الفترة القصيرة لم يتسنى لي زيارة العديد من المعالم والمناطق السياحية التي سمعت عنها مثل مدينة المنستير والحمامات ونابل وسوسة وطبرقة وجزيرة جربة وغيرها.  كما أن هذا البلد قد اغواني بثراء جماله واصالته والذي لم أكن أعرف عنه سوى القليل وكان مرتبطاً في ذهني دائماً بمهرجان قرطاج الدولي

سأعترف في البداية أنني قبل ان أزور تونس كان لدى تصور مسبق بأنها تشبه اي بلد عربي آخر ولكن الواقع نسف كل هذه التوقعات وجعلني أعيد حساباتي بالنسبة لتصوري لدول المغرب العربي، فكل منطقة في تونس لها خصوصيتها وتفردها.  هي عدة مدن في مدينة واحدة ومزيج غريب بين الشرق والغرب فشارع الحبيب بورقيبة في العاصمة التونسية مثلًا لايختلف كثيرا عن اي شارع عصري في اي بلد أوروبي آخر حتى ان أحد المشاركين في الاجتماع شبهه بشارع الشانزلزيه في فرنسا، فإبتداء من المسرح البلدي للكاتدرائية الكاثوليكية لنصب المؤرخ الكبير ابن خلدون في ساحة الاستقلال انتهاء بالمطاعم والمقاهي التي تدب فيها الحياة منذ الساعة التاسعة صباحا حتى منتصف الليل تذكرك بعدة مدن اوروبية مشيت في شوارعها من قبل، مدن تتناغم فيها انماط مختلفة من المباني والاشكال المعمارية المختلفة.  الجامع بالقرب من الكاتدرائية، والمترو في الجانب المقابل للشارع قريبة من الارصفة حيث يعبر المارة

على بعد خطوات قليلة، تقع المدينة العتيقة بأزقتها القديمة وسوقها الشعبي الذي يشبه إلي حد كبير حي خان الخليلي في القاهرة مع اختلاف الصناعات التقليدية التي يتفرد بها كلا البلدين . وقد لفت نظري وأنا أطوف بداخل هذه الازقة الضيقة المتعرجة واجهات المباني والشرفات المطلة على الشارع، أعمدة الكهرباء القديمة ولافتات كُتب عليه اسماء الاسواق التي تمر بها .. سوق السرايرية .. سوق القوافي .. الخ حتى تصل لمقهى الزيتونة في منتصف الزقاق والذي توقفت فيه لتناول الكسكسي، اشهر أكلة تونسية يتم اعدادها في المغرب العربي بطرق مختلفة

زحام من البشر ودكاكين متراصة تحفل بشتى انواع الحرف والصناعات اليدوية التقليدية، العطور والبهارات وحتى الحلويات تتوافر في هذا السوق.  أثناء تجولي وحديثي مع بعض الباعة تعرفت على الحاج محمد الطيب صاحب محل للحلويات التونسية والذي عرفني على أشهر الحلويات التونسية كالمقروض والبقلاوة وكعك الورق وعجين اللوز.  إلي جانب الحاج محمد تعمل سلمى، فتاة تونسية في مقتبل العمر طلبت مني حينما كنت اصورها وهي تهم بإعداد الحلوى ان لاأظهر وجهها وان أكتفي بتصوير يديها وهي تفرد العجين .  الحاج محمد أخبرني عن بعض ذكرياته في البحرين حينما حضر للمشاركة في مهرجان أُقيم في حديقة الاندلس وقد ذُهلت لذاكرته القوية في تذكر اسماء بعض الشخصيات المعروفة والمناطق التي لازال يحفظها رغم مرور زمن طويل على تلك الزيارة

واصلت السير في ازقة المدينة العتيقة حتى وصلت لجامع الزيتونة والذي يسمح للزوار من جميع الديانات والطوائف بدخول الجامع وإلتقاط الصور على ان لايكون ذلك خلال اوقات الصلاة.  لا أحد يستطيع ان يؤكد سبب تسمية الجامع بهذا الاسم ولكن الروايات تُرجح انه سُمي كذلك نسبة لشجرة زيتون وجدها الفاتحون في مكان الجامع فأطلقوا على الجامع الذي بنوه هذا الاسم. في المدينة القديمة تشعر إن كل ما حولك يمتد لعصور وتاريخ ضارب في القدم .. البيوت .. الابواب .. الشرفات .. مآذن المساجد .. حكايات تود لو انك تعرف عنها وعن تاريخها المزيد

الاستعمار اللغوي الفرنسي

رغم ان اللغة العربية هي اللغة الرسمية للجمهورية التونسية الا ان اللهجة التونسية خليط من العربية والفرنسية.  هناك حالة إغتراب بين الشعب التونسي وبين لغته،  الاستعمار اللغوي الفرنسي كما اسماه الدكتور محمود الذوادي بدا مهيمناً في جميع فئات المجتمع التونسي وان كان بدرجات متفاوتة وحاضرا بقوة في جميع انواع الثقافة والفنون.  شعرت بذلك أكثر حينما حضرت مسرحية الممثل الملك لير في المسرح البلدي الذي ذكرني بفخامة تصميمه ومقصورته الرائعة بالافلام العربية القديمة ولكن تعذر على فهم معظم الحوارات التي دارت بين الممثلين لانها كانت مزيج من اللغة الفرنسية واللهجة التونسية العامية وان كنت قد فهمت فكرة المسرحية من خلال السياق العام للاحداث.  جميع اللوحات والرقصات والملابس وديكور المسرح بدت لي فرنسية صرفة اما بطل المسرحية الممثل التونسي هشام رستم فقد ذكرني بالممثل الفرنسي المغربي الاصل جين رينو من حيث الشكل والملامح

قرطاج وسيدي بوسعيد

في قرطاج يمكنك ان ترى أجمل وأرقى المدن والضواحي التونسية كقمرت والمرسى المعروفة بشاطئها الممتد وكورنيشها الذي يستقطب العديد من الفنادق والملاهي والمقاهي.  في طريقنا لفندق بارسيلو في قرطاج لحضور المؤتمر الوطني بمناسبة اليوم التونسي للايدز مررنا بالعديد من الاماكن والمعالم التاريخية  كقصر قرطاج وجامع العابدين وخزانات المياه التي بناها الرومان.  تمنيت ان ازور متحف باردو مع بقية المشاركين في الاجتماع ولكن كان على اللحاق بالطائرة للعودة للبحرين

من أجمل المناطق التي زرتها في قرطاج هي قرية سيدي بوسعيد وهي قريبة الشبه ببعض الاحياء في اسبانيا واليونان، مصيف يعج بالمنازل البيضاء التي تزينها الابواب والشرفات ذات اللون الازرق وتنتشر فيها اعداد كبيرة من المقاهي والمطاعم المطلة على البحر أشهرها القهوة العالية بمدرجاتها المطلة على السوق.  في سيدي بوسعيد أعتراني شعور غامر بالفرح فهذه أول مرة أرى فيها مصيفاً بهذه الروعة، تخليت عن حذائي رغم برودة الطقس ومشيت حافية القدمين بين البيوت المعلقة عند هضبة صغيرة حتى وصلت لأعلى الربوة التي تطل على خليج تونس حيث ترسو اعداد هائلة من اليخوت والمراكب

تونس .. حقوق المرأة تزدهر وحرية الرأي تتراجع

الشعب التونسي شعب مثقف ومضياف جداً ويستقبلك بحفاوة وبإبتسامة لاتغيب عنها كلمات مثل برشة .. مرحبا بيك .. يعيشك والتي يتداولها التونسيون بكثرة، والمرأة التونسية تحظى بالكثير من الحقوق والمكتسبات التي لاتحظى بها اي امرأة عربية أخرى على مستوى الوطن العربي والتي تهدف إلى إزالة كل اشكال التمييز ضد المرأة

المعلومة التي أذهلتني بالفعل ولم أكن اعرفها من قبل عن تونس انها تحظر تعدد الزوجات منذ عام ١٩٥٧ بموجب قانون الاحوال الشخصية او ما يطلق عليه التونسيون مجلة الاحوال الشخصية ولكن المفارقة في الوقت ذاته ان تونس أحتلت المرتبة الأولي عربياً والرابعة عالمياً في نسبة الطلاق وذلك طبقاً لدراسة أجريت حديثاً ورفضتها وزارة العدل التونسية

هناك جدل  يدور الآن في تونس حول دعوة لإعادة إجازة تعدد الزوجات كحل إسلامي للمشاكل الاجتماعية مثل العلاقات خارج نطاق الزواجه والعنوسة الا ان بعض النساء يرفضنها خوفاً من تراجع مكتسباتهن الاجتماعية كما ان بعضهن استشهد بازدياد حالات الطلاق في منطقة الخليج العربي كدليل على عدم جدوى إجازة تعدد الزوجات كحل للمشكلات الاجتماعية التي أنتشرت حديثاً في تونس

كان هذا الجانب المضئ من حقوق الانسان في تونس اما الجانب المظلم فقد تعرفت عليه خلال حضوري للملتقى الثاني للمدونين العرب في بيروت اذ تطرق بعض المدونون لقضية تعثر حرية الرأي والتعبير والصحافة في  تونس ومواجهتها لعراقيل عدة ابرزها التدخل الحكومي وتعرض بعض نشطاء حقوق الانسان والمدونين والصحفيين للاعتقال او الملاحقة الأمنية بين الحين والآخر بسبب الاعلان عن آرائهم او ادلاءهم بتصريحات او معلومات لوسائل الإعلام المختلفة

لماذا؟

أنتهت رحلتي القصيرة لتونس ولكن الاسئلة التي ظلت تراودني هي: لماذا لم أكن أعرف أو اسمع عن تونس كما أعرف مصر وسوريا ولبنان؟  لماذا تعيش معظم دول شمال افريقيا بمعزل عن العالم العربي؟ لماذا تبدو المسافة بيننا وبينهم كبيرة وشاسعة كما لو أنهم ليسوا جزءاً من وطننا العربي الكبير؟

Share

ما أحلى الرجوع اليه

Posted on 2008 07, 29 by Suad

 تذكرت هذا الشطر من قصيدة نزار قباني وأنا أحزم امتعتي استعدادا للعودة الى أرض الوطن. فرغم الرسائل النصية التي كانت تصلني من الاقارب والاصدقاء لتذكرني بحرارة الطقس في البحرين وتحثني على البقاء لفترة أطول في بريطانيا، الا ان هناك من المشاعر والتفاصيل الصغيرة التي يصعب شرحها ماجعلني أتوق الى العودة.

أسبوعان قضيتهما بين ويلز ولندن لم يفسد متعتهما سوى أمران حمدت الله كثيرا انهما لم يحدثا لي سوى في الايام الأخيرة من الرحلة أولهما سرقة بعض امتعتي الشخصية من غرفتي بالفندق والثاني هو عودتي بأعراض مرض يهاجمني بين الحين والآخر لم أجد له علاجا حتى الآن، يحدث ذلك وبمحض الصدفة بعد كل زيارة لي لبريطانيا فأمكث اسبوعين هناك ثم أمكث مثلهما في المستشفى بعد عودتي.

ولكنى قررت ان لا أجعل اي من الامرين يطغيان على فرحتى بالتخرج وعلى الذكريات الجميلة التي عدت بها من الرحلة.  وحتى أنفس عن شعوري بالاستياء أرسلت رسالة الكترونية يوم أمس للموقع الذي حجزت من خلاله الفندق والذي تم ترشيحه لي من قبلهم أبلغهم فيه بحادثة السرقة وبرد فعل المدير المسئول الذي أكتفى بالقول بأن نظام الأمن لديهم صارم جدا!

ولأنني كتمت مشاعر الغضب حينها وانا استمع لهذا الرد الذي لا يغني ولا يسمن من جوع فقد قررت ان أنتقم لصمتي بعبارة أخيرة ذيلت بها رسالتي أقترحت فيها حذف الفندق من قائمة الموقع والا تغيير أسمه من طريق الملوك إلى طريق اللصوص حتى يدرك النزيل ما هو مقبل عليه.  ويبدو ان رسالتي قد تم تحويلها إلى ادارة الفندق فأستلمت في اليوم ذاته رسالة اعتذار من مدير عام الفندق وعد فيها بالتحقيق في الموضوع وإعلامي بالاجراء الذي سيتخذه الفندق خلال 48 ساعة وها انا أنتظر. 

اللى يعيش ياما يشوف

حشود بشرية من جنسيات مختلفة تسير على عجل .. متشرد يتسول المارة .. عازف هاو في ميدان يعج بالسواح .. شاب يصغي باهتمام الى قارئ الطالع .. حملة ضد مستحضر للتجميل يجرى اختباراته على الفئران .. عجوز تدفع عربة قريبتها العجوز او ربما خريف يدفع بخريف آخر.

وتيرة الحياة في العاصمة البريطانية هي ذاتها لم تتغير ..توتر، تلوث، ازدحام وضوضاء. كل شئ يسير على عجل الا النهار فالشمس لا تدرك المغيب قبل العاشرة مساء  .. غيوم قلما تمطر وطقس متقلب لايمكن الوثوق به.  الفارق الوحيد ان كل شئ أصبح جنونيا أكثر من السابق .. الاسعار .. الازدحام وعصبية سائقي سيارة الأجرة والنقل العام في لندن.

لا أحبذ التواجد في لندن خلال اشهر الصيف خصوصا في يوليو واغسطس حيث يغص شارع اكسفورد وادجوارد وميدان ليستر سكوير بالسياح العرب والخليجيين بشكل خاص بطريقة تشعرك بأنك قد انتقلت من بلدك الى بلد عربي آخر الا ان حفل التخرج هذه المرة لم يترك لي خيار آخر كما ان السفر الى بريطانيا دون عبور بوابتها الرئيسية (العاصمة) فيه تفويت للكثير خاصة حينما يتعلق الأمر بالفعاليات الثقافية والفنية وحتى التسوق الذي يدمنه النساء والرجال على حد السواء. 

تسنى لي هذه المرة حضور بعض الافلام والعروض المسرحية مثل شبح الاوبرا وماما ميا الذي كان يعرض للتو بالتزامن مع عرض الفيلم الذي تصّدر ايرادات دور العرض البريطانية والذي تلعب فيه الموسيقى دورا محوريا بالاستناد الى اغاني فرقة الآبا التي حققت شهرة واسعة في فترة السبعينات.

اما المعرض الوطني البريطاني فقد كان يعج بعشرات اللوحات الرائعة لمشاهير الفنانين الايطاليين في معرض .Radical Light  الا ان أكثر لوحة لفتت انتباهي في هذا المعرض هي لوحة An Allegory of Prudence لتيتيان، أشهر الرسامين الايطاليين في القرن السادس عشر والتي تمثل الثلاث مراحل الرئيسية في عمر الانسان في ثلاثة وجوه أحدها هو وجه تيتيان الحقيقي.

ما يميز العاصمة البريطانية هي التعددية الاجتماعية والثقافية بشكل خاص، احياء ومعارض ومطاعم صينية .. هندية عربية أو افريقية.  ومن أطرف المواقف التي مرت بي هو توقفي في محل للحلويات اليابانية شدني اليه لون واسلوب عرض حلوى تشبه فاكهة الدراق سألت عنه البائعة فأخبرتني انه جيلاتين بنكهة الدراق.  كانت الطاولة تضم طالبتين من دولة الكويت الشقيقة وامرأة اوروبية بصحبة ابنها وحينما وصل طلبي فوجئت بصلابة السطح الخارجي للحلوى والتي كنت اظن بأنه نوع من حلوى المرزبان الا ان السيدة الى جانبي لفتت انتباهي الى انني كنت احاول كسر الوعاء وبأنه يجب ان أقلب وعاء الجيلاتين رأس على عقب. حينها لم اتمالك نفسي من الضحك بينما علقت الزميلة الكويتية على قالب الحلوى الغريب قائلة “صحيح اللى يعيش ياما يشوف”.  شكرت السيدة على الملاحظة فلولاها لاستمررت في محاولاتي لكسر الوعاء حتى اليوم التالي!

 طريق الغابة

كنت أعتزم مغادرة ويلز بعد الانتهاء مباشرة من حفل التخرج الا ان جمال المناطق السياحية التي تستحق الزيارة مثل ميناء كاردف، برستول، جزيرة باري وغيرها جعلني اتراجع عن خطتي الأولى واتقدم بطلب جديد لتمديد فترة اقامتي في سكن الجامعة.

الاقامة في سكن جامعة جلامورجن ليس سيئا على الاطلاق فرغم صغر الغرف وصعود ونزول سلالم يقارب عدد درجاتها المائة وخمسين الا ان موقع الجامعة في منطقة جبلية .. تقافز الارانب والسناجب التي تظهر وتختفي بين الحين والحين .. صوت حفيف الاشجار وخرير الماء والمساحات الشاسعة الخضراء التي تغطي المنطقة المحيطة بمباني الجامعة ألهتني معظم الاحيان عن عد درجات السلالم .. عادة درج عليها معظم طلبة الجامعة وابدى كثيرا منهم تبرمهم منها.  البعض منهم كان يسلك طريق أقصر أشتهر بأسم طريق الغابة حذرنا البعض منه بسبب وجود الثعابين.

اما عن حفل التخرج فقد كان الحدث الأهم بالنسبة لي الا انه اثار استغرابي مراسم الحفل التي كانت اقرب الى مراسم الكنائس.  سعادتي كانت كبيرة لحضور بنت بطوطة لحفل تخرجي وتكبدها عناء السفر بالقطار من مكان اقامتها لمقر الجامعة لتشاركني فرحة هذا اليوم، وربما اليوم أكثر من اي وقت مضى أدرك كم أكتسبت من خلال التدوين اصدقاء جدد أدين لهم بالشئ الكثير.

معظم سكان ويلز يتمتعون بالطيبة ودماثة الخلق، كبار السن منهم بالاخص.  هناك فارق كبير بين الحياة في ويلز وبين الحياة في لندن، بين الناس هنا وبين الناس هناك ولكني استمتعت بإقامتي في المدينتين. 

Share

« Older EntriesNewer Entries »