Archive for the ‘مُدن وصور’ Category

بيروت كما رأيتها: لوحة لم تكتمل

Posted on 2012 02, 27 by Suad

 أقف قبالة بيت أثري في “عين المريسة” بالعاصمة البيروتية متأملة نوافذه المقوسة المتشحة بالسواد .. ينادى رجلا خمسينياً من المتجر المجاور، “هل تعرفين قصة هذا البيت؟  يبدأ الرجل قصته وينتهي بحديث آخر عن “بيروت” التي عصفت بها جميع أنواع النكبات .. حروب .. معارك .. اوبئة .. حرائق .. غرق .. زلازل .. انقسامات طائفية.وأسأل نفسي: كيف يمكن لهذه المدينة المُنهكة ان تظل نابضة بعد كل هذه النكبات التي مرت ومازالت تمر بها؟

 لاأعرف بالتحديد ان كان البيروتيون يستمدون صبرهم وصمودهم من صمود مدينتهم او هو العكس ولكن يبدو ان هذا الصمود هو أمر بديهي توافقت عليه بيروت.  ولكن  حينما تستنفذ هذه المدينة صبرها فستدرك ذلك من خلال اصغاءك للرسائل التي تصلك عبر الجدران ..  ليش بعدها الكهرباء مقطوعة؟ .. حارب الإغتصاب .. فكر لبناني، فكر علماني والعديد من الشعارات والرسوم التعبيرية التي تعبر عن هموم بيروت ومشاكلها السياسية والإجتماعية. فليس هناك أفضل من جدران المدينة  لتتقاسم همومك مع الآخرين حينما لاتستجيب المنابر الرسمية لصوتك وتكرار استغاثاتك.  ويبدو انه عصر إعلام المواطن بدون منازع فبعد ان كانت الإنتفاضات حكراً على الشارع  أنضمت لها جدران المدن وجدران إفتراضية أخرى أكثر رحابة كشبكات التواصل الاجتماعي التي أصبح صداها والتفاعل معها أكبر بكثير من وسائل الإعلام التقليدية

على ان هذا النوع من الإنسجام المفقود بين الُسلطة وشرائح المجتمع ليس الوحيد من نوعه في هذه المدينة، فبيروت مدينة غير متناسقة من حيث المعالم أوالأبنية فطابع عمارتها المتباين لايشكل نسيجاً متسقاً مع بعضه البعض او مع محيطه ومن الصعب التكهن بالحقبة الزمنية التي يعود لها هذا المبنى او ذاك فالقليل منها يشبه الآخر.  ويبدو ان الشرفات في بيروت قد اصبحت هي المهيمنة على المشهد العمراني في الوقت الذي تراجعت فيه الحدائق المنزلية والحدائق العامة امام المد العمراني بعد ان تحولت معظم الباحات الخالية امام المنازل لمواقف للسيارات بسبب تفاقم مشكلة الازدحام في بيروت

 هناك فلسفة إستثنائية تتعلق بجمال المدن لايمكن ان تنطبق الا على هذه المدينة العريقة “فبعض انواع الجمال قد يتولد عن جمال ناقص”.  جمال بيروت الفوضوي وتفاوت العمر الزمني لمبانيها التي لازالت تقف شامخة على أرض تفتقر للكثير من الخدمات والبنى التحتية يشبه تلك اللوحات التي يتشارك فنانون من مدارس ومستويات فنية مختلفة في رسمها، لوحة لاتكتمل ابداً.  هناك دائما مساحة شاغرة منها لألوان مغايرة قد يعتبره البعض تشويه لها وقد يعتبره البعض الآخر قيمّة فنية. ومهما كانت هذه الإضافات صادمة لبصرك فهي من جهة أخرى تحدً لتوقعاتك وما أختزلته ذاكرتك من صور ومشاهد لمدن أخرى.  حينما تفكر في بيروت، عليك ان تنسى نسيج المدن التقليدية او تلك المنقولة عن المدن الغربية فبيروت مدينة ترفض بيوتها ان تصطبغ بلون واحد أو ان تصهر تاريخها في حقبة أو بوتقة ثقافية واحدة رغم زحف المبان الحديثة

 هناك مزيج من العشوائية والتناقض تطغى على روح بيروت وهي الروح التي تمنح البيوت القديمة المتهالكة خلفية من المساحات الزجاجية لناطحات سحب حديثة التشييد، والتي تجعل الشرفات الرخامية الفنية الرائعة تطل من بين الخرائب، وتضع مناطق راقية تضاهي في بذخها افخم العواصم الاوروبية مقابل بعض الشوارع القذرة والاحياء الفقيرةا

وعلى الرغم من الجمال الذي لازال ينفض عن نفسه آثار قبح الحرب والتلوث، على الرغم من الحركة والاصوات التي لاتتوقف في شوارع بيروت منذ الصباح الباكر الا ان حزن غريب يظل يلف اجواءها ليمنعك من التآلف التام معها.  إذا مشيت يوماً في مدينة وشعرت بكل هذا الكم من التناقضات ولم تسعفك الكلمات للتعبير عن احساسك بها فإبتسم، فأنت في بيروت

Danish – Arab Urban Arts Festival, Beirut 25 Feb. 2012

Share

إجتماع المدونين العرب الثاني .. مابقى في الذاكرة

Posted on 2010 01, 26 by Suad

عادة ما تعلق الاماكن بذاكرتي بعد عودتي من اي رحلة للخارج ولكن زيارتي الاخيرة لبيروت كانت الاستثناء فأكثر مازال عالقاً في ذهني حتى اليوم هو الوجوه والاسماء التي تقاسمت معها العديد من اللحظات الجميلة. التآلف السريع الذي ربط بيني وبين لينا .. تسكعي حتى منتصف الليل في شوارع بيروت مع غيداء وشادن وميس .. مارسين الذي اطلق عليه الجميع الرجل الابيض لأنه لانه لايرتدي الا الملابس البيضاء.. حديث سريع مع منال في باص اقلنا لوحدنا من مطعم الصياد لفندق روتانا حازمية .. عقاب المتأخرين عن حضور الاجتماع (غناء، رقص او تمارين رياضية) والذي يبدو ان ليال قد نالت النصيب الاكبر منه .. حيدر الذي لاأعرفه الا بأسم حمزوز يتجول بين المدونين معلقاً على ظهره علم العراق .. مناوشاتي الدائمة مع عمر التي تحولت في الايام الأخيرة لصداقة أعتز بها .. الابتسامة التي لاتفارق وجه سامي بن غريبة .. بكاء جيليان تأثراً في اليوم الأخير من الاجتماع .. تعليقات أميرة الساخرة  .. عرض سليم عمامو – أكثر شخصية مرحة التقيتها في الاجتماع – عن فلسفة الانترنت ورقصه على الموسيقى المصاحبة لشرائح العرض

ستة ايام تقريباً انقضت في لمح البصر عدت منها محملة بالذكريات وبواحد وعشرين كتاباً من معرض بيروت العربي الدولي للكتاب إضافة لكتاب هلال شومان “مارواه النوم” الذي أهداني اياه بعد ان التقيته صدفة وهانيبال في المعرض وأخذت بمشورتهما في بعض الروايات والكتب

ستة ايام اغدق علينا منظموا الملتقى، مؤسسة هينرش بل وأصوات عالمية أون لاين بدعم من هايفوس و أوبن سوسايتي انستيوت بما لذ وطاب من المأكولات اللبنانية اللذيذة  التي ضافت لوزني كيلوغرامات اخرى سيصعب على التخلص منها الآن.  في الاستمارة التي اعطيت لنا لندلى بآراءنا حول الملتقى والتنظيم كتبت “تمنيت لو تم الاستغناء عن بعض دعوات العشاء وتم استبدالها برحلات سياحية يستطيع المدونون من خلالها التعرف على لبنان وعلى بعضهم البعض بشكل افضل” فقد كان العدد كبيراً (٨٠ مدوناً تقريباً) وكان الملتقى مقسماً إلى ورش تدريبية وحلقات نقاشية متوازية يختار المشارك منها مايحتاجه

ليال اتفقت معي في الرأي فقد سألتني في احد فترات الاستراحة ما إذا كنت قد زرت بيت الدين وبعلبك ومدينة صور وقصر موسى ومحمية الباروك وفاريا من قبل فرفعت حاجباي تعجباً فبعض الاماكن كنت اسمع عنها للمرة الأولى رغم انني زرت لبنان سابقا ومكثت فيها مايقارب الثلاثة اسابيع.  ويبدو ان ليال قد التقطت شعوري بالحرج فأضافت” لستِ الملامة ولكنها وزارة السياحة عندنا التي تروج للحياة الليليلة وكأنها السياحة الوحيدة المتوفرة في لبنان!!”  فكرت كثيرا في اللافتات المنتشرة في شوارع بيروت .. اعلانات القنوات التلفزيونية اللبنانية .. أظن ان ليال كانت محقة في ملاحظتها

رب صدفة خير من ألف ميعاد

اثناء انتظاري في مطار بيروت وقبل الوصول لمنطقة الجوازات استرعي انتباهي حديث كان يدور بين رجل وامرأة عرفت من لهجتهما انهما من البحرين.  كان الرجل قلقاً لأن صلاحية جواز سفره ستنتهي بعد اربعة اشهر اذ يبدو ان احدهم قد اخبره في مطار البحرين بأن مطار بيروت قد يمنعونه من الدخول اذا لم يكن جواز سفره صالحاً علي الاقل لمدة ستة أشهر.   أخرجت جواز سفري لأتفقد تاريخ الصلاحية  فأنتقل القلق بدوره لي فصلاحيته تنتهي ايضاً في فترة مقاربة. ألتفّت للشخص لأستعلم منه عن الموضوع فبدا لي وجهه مألوفاً، لم أتعرف عليه منذ البداية ولكني كنت متيقنة من شخصية المرأة التي كان يتحدث إليها فقد كانت الكاتبة البحرينية خولة مطر. نسيت قلقي في لحظات وتحول الحديث لمنحىً آخر، أخبرتها انني سمعت عنها الكثير وسألتني عن سبب زيارتي لبيروت فقلت لها بإنني مدونة وبأنني هنا لحضور اجتماع للمدونين العرب فطلبت عنوان مدونتي حتى تقرأها لاحقاً فهي كما اخبرتني مهتمة بمتابعة المدونات البحرينية

تنفسنا جميعاً الصعداء حينما علمنا بإن الفترة المسموح بها هي مابين ثلاثة لستة أشهر حسب البلد وتم ختم جوازات سفرنا لدخول العاصمة بيروت

بحبك يالبنان ياوطني

أغلب اللبنانيين يتغنون بحبهم لوطنهم رغم ان الاحداث السياسية في لبنان لاتدعم كثيراً هذا القول ولكنني استطيع القول ان هذه القاعدة لاتنطبق على الجميع فقد التقيت بالكثير من الشخصيات اللبنانية البسيطة التي عبرت عن هذا الحب بشكل صادق ومؤثر أحدهم هو “ميشيل” صاحب محل صغير للتحف وقطع الانتيك التقيت به اثناء تجوالي انا وميس وشادن وغيداء في منطقة الحمراء مساءً .. ميشيل لم يكن يعرف من نحن ولابأنني أو غيري يمكن ان نكتب عنه في مدوناتنا. حينما علم ان غيداء من اليمن سألها عن خنجر  بيع له على انه خنجر من اليمن وبعدها انطلقنا في الحديث وانطلق هو في حديثه عن لبنان. سألني عن البحرين وعن بعض الاحداث التي يسمع عنها من خلال الاخبار واخبرته بصدق عن حياتنا دون رتوش فكثيراً من اللبنانيين يظنون ان الخليجيين نائمين على براميل من النفط والجهل.  تأثرت كثيراً بعبارته حينما قال لي: “يابنتي ادعي لوطنك في صلاتك مثل ما بتدعي لوالدينك، ادعي ربك يحفظ لك  هالبلد، الواحد منا مابيسوا شي من غير وطن”.  لاأعرف بماذا فكرت حينها .. ربما في المحرومين من اوطانهم .. من اباءهم او امهاتهم .. وكادت ان تفر دمعة من عيني

ضريح الحريري ومخاوف التقديس

رغم ان شادن كانت قد سبقتنا لزيارة ضريح الرئيس الشهيد الحريري الا انها تطوعت لأخذنا إلي هناك، ساحة الشهداء حيث يرقد الحريري ورفاقه الذين سقطوا معه في جريمة التفجير بالقرب من مسجد محمد الأمين.  حينما وصلنا كانت تقف الكثير من سيارات الشرطة على مدخل الضريح ومرت دقائق قبل ان نشهد خروج الشيخ سعد الحريري الذي يبدو انه كان يزور قبر والده.  أنتظرنا حتى خروج الموكب لنتمكن من الدخول، صور الحريري كانت في كل مكان وزهور الجاردينيا البيضاء تغطى قبره وصوت ترتيل القرآن يأخذك إلي حيث لايرغب اي منا في التفكير .. الموت .. الموت الذي لايمنحك أحياناً حتى فرصة وداع من تحب.  كنت اتوقع ان الشهيد رفيق الحريري شخصية محبوبة من قبل جميع اللبنانيين ولكنني فوجئت بردات الفعل المختلفة من قبل اللبنانيين حينما اخبرتهم عن زيارتنا للضريح ولعل أكثر ماصدمني منها هو تخوف بعض اللبنانيين من ان يصبح ضريح الحريري مزاراً كمزارات أهل البيت

البنية التحتية للبنان

لفت انتباهي ومنذ أول يوم مكثنا فيه في الفندق انقطاع الكهرباء المتكرر الذي قد يصل إلى خمس او ست مرات في اليوم الواحد ويستمر لمدة ثوان معدودة وهذا طبعاً بفضل وجود مولد كهربائي في الفندق ولكن يبدو ان الحال مختلف في مساكن اللبنانيين فالكهرباء تشكل الازمة الأكبر في حياتهم اليومية.  لفت انتباهي ايضاً ضعف شبكة الانترنت فرغم ان بعض المدونين قد دفعوا للفندق لقاء توفير خدمة الانترنت الا ان ادارة الفندق لم تستطع ان تضمن لهم توفير الخدمة التي كانت تضاهي في سرعتها سرعة السلحفاة. اما الشوارع والطرقات في بيروت فقد كانت تغرق في مياه الامطار بعد ساعات قليلة من هطول الامطار المتواصلة بحيث يصعب معها الحركة والتنقل سواء بالسيارة او حتى سيراً على الاقدام

Share

« Older EntriesNewer Entries »